التغيير… الحلم والكوابيس
هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة
التغيير كلمة تثير العواطف بقدر ما تثير الأحزان، حلم بقدر ما هو كابوس، حقيقة بقدر ما هو وهم، هل صارت سرابا بقيعة؟ أم التحق التغيير بالعنقاء والغول والصديق الوفي؟ هل توالي النكبات بعدما لاح في الأفق سحاب حسبه الناس تغييرا سيمطر خيرا وبركة، فإذا هو انتكاس فيه هم شديد جعله محال التحقق؟
كل يريد التغيير..، وكل يرسم للتغيير المنشود صورته الخاصة. كل يتحدث عنه وكل يتحدث عنه بأسلوبه الخاص. كل يقصده ولكل طريقه التي يسلكها لبلوغه. والمشكلة أنه لا شيء من ذلك تحقق، وتبقى دار لقمان على حالها إن لم تزدد سوء.
ولأن لكل رؤيته عن التغيير لا من حيث تصوره، ولا من حيث نتائجه، ولا من حيث الطريق التي توصل إليه. فكل ذلك عندي مرده إلى شرع الله الذي حواه القرآن والسنة الذين هما وحي من عند الله الذي بيده التغيير، يحققه متى شاء لمن شاء إذا سلك طريقه التي اشترط الذي من بيده مقاليد الأمور يدبرها كيف يشاء ويقلبها كما يشاء، {قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء…}.
فمن هذا اليقين بهذا المعتقد تنطلق مسيرة التغيير الحلم الكبير، وهو واقع لا محالة؛ إذ هو وعد من الله والله لا يخلف الميعاد. (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ((النور:55).
فمن تأمل الشرط والمشروط لا يشغل بإله إلا بتحقيق ما اشترط الله عليه، ولا يضيع وقته وجهده في سبل ولا يرتبط بوسائل تجعل من التغيير عنده في مآله أوهاما وكوابيس.
لا يمَكن الله ولا يحقق التغيير لمن لا يروم تحقيق مقصد الله من ذلك (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) (الحج41)، وليس كما فعل بعضهم ممن راح يقدم قرابين الرضا ويرضي من ليس بيده الرضا، وترك ما اقتضته الآية، فالمصير لا شك هو ما نرى لا ما نسمع ولا ما نقرأ؛ انتكاسات بالجملة هنا وهناك، بعدما سمعنا من البعض صراخا يتطاير معه الرذاذ مبشرا بقدوم الخلافة، وأنه يراها تلوح بين ناظريه معلنة المجيء، والناس ما أرادوا من التغيير إلا توفير لقمة عيش كريم! وجيبا مملوء بالدراهم والدنانير حتى يستطيعوا أن يعيشوا البذخ كما يعيشه من تسلط عليهم بالظلم والاعتداء وأخذ حقوقهم بعير حق، ولذلك لما عجز من عجز ممن وعد ولم يوف لم يصبر الناس لأجل دينهم مالوا إلى من أوقعهم في فخ الأماني ووعدهم بعيشة الرفاه والدعة والسكون.
إن قدوتنا في هذا المسار وهو نبينا عليه السلام قد قاد التغيير، وكان أحد أركانه التضحية بالدنيا من أجل الدين، وإقامة الدين أساسا متينا تقوم عليه الدنيا حتى يجمع الناس بين الحسنيين ويحوزوا خير الدارين.
الناس إلى حدود اليوم لا تريد إلا الخبز في الغالب الأعم، ويريدون تغييرا لا يضمن لهم إلا شهوة البطن والفرج، ولا أدل على ذلك من كون العلماني والليبرالي والحداثي واليساري والاشتراكي والشيوعي والشيعي والملحد وهلم جرا ممن اختلفت أسماؤهم واتفقت مقاصدهم يتحدثون عن التغيير ويطالبون به ويشددون على ذلك. مع أن الدين في مشروع هؤلاء جزء من المشكل بل هو الأساس في تعطيل مشروع التغيير الذي ينشدونه.
ناهيك عن تضارب الغايات والمقاصد والوسائل والأولويات عند من يسعى إلى التغيير انطلاقا من رؤية إسلامية يؤسس عليها مشروعه. فيوغل بعضهم في التعقيد والتقعيد بينما الوحي واضح وبكل بساطة في وضع معالم التغيير الناجح والفعال.
فحدد الغاية وهي إقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحدد الوسيلة والسبيل وهي الدعوة إلى التوحيد ومظاهره ونبذ الشرك ومظاهره.
وبين النتيجة وهي التمكين وتحقيق الأمن والاستقرار الذين يعدان من أهم ركائز الدولة الناجحة والقوية.
وأما آلية التنزيل فهي قائمة على إصلاح الفرد نفسه ثم الانسياب ضمن محيطه بدء من الأقرب فالأقرب، فرائد التغيير وإمام المسلمين فيه أمر بأن يبدأ بعشيرته الأقربين “وأنذر عشيرتك الأقربين” على أساس أن هذا المشروع لا تتحقق نتائجه بفعالية كبرى وسريعة إلا بالتغيير الذاتي حتما فـ”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
ولذلك سعى النبي عليه السلام منذ بالبداية على تكوين الإنسان الثابت على مبادئه التي بها يرى التغيير؛ بداية بأفراد إلى مجتمع ثم بيئة ثم كان التتويج بدولة تقيم العدل وتحقق الكرامة وتضمن الحرية الفطرية والعدالة الاجتماعية.
قد يحتاج الموضوع إلى تفصيل أكثر لبيان بعض الحيثيات والإجابة على بعض الإيرادات، لكن يطول الكلام. ورؤوس الأقلام ربما تعطي تصورا أوسع حول الفكرة، والغاية أن يتحقق حلم التغيير ولا يبقى كوابيس مفزعة تتوالى من وقت إلى حين.
التغيير قادم لا محالة، ولا مجال لليأس والقنوط، فهو وعد من لا يخلف وعده، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. لكن هل نحن على السكة الصحيحة؟ أم لا زلنا نجرب الطرق؟ أم الوقت لم يحن بعد؟ أم أهل التغيير المستحقين له لم يلتئم شملهم بعد؟
أسئلة كثيرة لا زالت معلقة إلى أن يقضي الله أمرا مفعولا.