الدكتور لهنا يكتب: العودة من غزة.. (المرة الثالثة)
هوية بريس – د.زهير لهنا
في المرات الماضية كانت الوفود الطبية و الإغاثية التي يسمح لها بالدخول إلى القطاع، تخرج من معبر رفح، حيث توجد شرطة المعبر التابعة لإدارة حماس من جهة فلسطين وشرطة الحدود المصرية من الجانب المصري. ولا يمر احد بالطبع دون موافقة مخابرات الإحتلال . بعد اجتياح رفح و سقوط المعبر في يد الجيش الذي أمعن في تدميره، أصبح الممر الوحيد هو معبر كرم ابو سالم المتخصص اصلا للشاحنات و البضائع. لايوجد اي مسؤول فلسطيني من جهة غزة نتيجة الحرب و القصف و من جهة الاحتلال يستقبل الوفود من طرف الشرطة الإسرائيلية.
بعد مرورنا و تفتيش حقائبنا، صعدنا إلى الحافلة، حيث وجود المكيف أنعشنا بعد قرابة ساعة تحت حر الظهيرة كان السائق فلسطينياً من القدس يقدم للركاب بفنجان من القهوة، مبدياً كرم الضيافة. من الأمور التي أُخبرنا بها قبل الرحيل، أنه لا يوجد أماكن لشراء الطعام أو الشراب طوال الرحلة، ولا يُسمح للحافلة بالتوقف في دولة الإحتلال، وكذلك لا يُسمح للركاب بالنزول منها، إنما التنسيق هو للعبور فقط.
انضم إلينا في الحافلة فلسطيني آخر، المنسق لعملية العبور الذي يتحدث الإنجليزية، فأخبرنا بعد التحية أننا بعد أن عبرنا نقطة التفتيش وانتعشنا بالهواء المكيف، يجب علينا الانتظار لمدة 3 إلى 4 ساعات حتى تصل سيارة الشرطة التي سترافقنا في الطريق، وهي حالياً عند الحدود مع الأردن بسبب تأخر وفد قادم من هناك. في البداية، اعتبرت الخبر دعابه لكنه لم يكن يمزح و علينا فعلا الإنتظار. أوضح لنا أننا 21 شخصاً وأن ثمن العبور لكل شخص هو 51 دولار (يتم تقسيم تكلفة تأجير الحافلة على عدد الركاب).
انتظرنا داخل الحافلة لساعات طويلة، وعندما وصلت سيارة الشرطة، انطلقنا في الطريق لساعات طويلة حتى وصلنا إلى نقطة الحدود مع الأردن في الساعة السابعة والنصف. كان المعبر الحدودي قد أنهى عمله لكن كان هناك تنسيق خاص بنا فانتظرنا أمام البوابة أكثر من نصف ساعة أو أكثر حتى تم فتحها. بعد ذلك، تقدمت الحافلة ودخلت منطقة عازلة، ونزلنا لنأخذ حقائبنا ونضعها في حافلة أردنية.
أخذنا السائق مسافة قصيرة بين البوابة الإسرائيلية والبوابة الأردنية، وطُلب منا دفع تقريباً 9 دولارات للشخص ودولارين لكل حقيبة. وصلنا، دفعنا، ونزلنا. أخذنا حقائبنا وتوجهنا إلى فحص الأمتعة. قبل النزول، تفقد شرطي أردني الأسماء التي كانت لديه مسبقاً. كان استقبال الأردنيين جيداً، على الرغم من أننا أجبرناهم على البقاء بعد ساعات عملهم، لكن هناك شيئاً من غزة وأهوائها يجعل كل من يستطيع المساهمة يقدم ذلك. وتسهيل الإجراءات للقادمين من غزة يدخل ضمن هذا السياق
ناخذ جوازاتنا تباعًا وخرجنا من نقطة التفتيش. المحظوظون الذين يستغلون مع جمعيات الأمم المتحدة أو المنظمات الكبرى يجدون من ينتظرهم. كنا نعتقد أن هناك حافلة ستأخذنا إلى عمان كما حدث في الوصول إلى النقطة الحدودية. تحدثنا مع الشاب الذي يعمل مع جمعيتنا عبر هاتف أحد السائقين، وأخبرنا أنه من الممكن أن يصل إلينا بعد ساعة أو أكثر. إحدى الطبيبات الذاهبة إلى أمريكا ستأخذ الطائرة بعد ساعات، فوجدت سائقًا ليأخذنا إلى الفندق الذي حجزته الجمعية لنا، وهم ينتظرون المسؤول الذي بالصدفة وصل منذ يوم واحد إلى عمان. بعد ساعة في سيارة الأجرة، وصلنا بحمد الله حوالي العاشرة ليلاً.
إن الشخص الذي يسافر إلى مناطق ذات توتر، فعليه أن ينسى طريقة تفكيره وحسابه الدقيق للوقت، خاصة إذا كان يعيش في الدول الغربية. الصبر هو ما يجعلك تحول كل رحلة عنيفة إلى مغامرة، وبفضله يمكنك تحمل الصعاب مثل قلة الطعام، وقلة النوم، والفراش غير المريح، والحمام غير النظيف. هدفك السامي هو ما يدفعك لتحدي كل الصعاب تلو الآخر، لتنعم بتجربة فريدة.
في غزة، يمكنك أن تجاور أهل الصبر والرباط والجهاد بكل معانيهم، وأكبر أنواع الجهاد هو جهاد النفس. فمدرسة غزة، رغم صعوبتها على أهلها أكثر مما يتصوره البعض، إلا أنها تعتبر مدرسة تصقل العقل والجسد والإحساس، وتتفرد بذلك ولا يتحقق ذلك إلا إذا أتى إليها صافي النية، نقي السريرة.