الذكورية المتوحشة في مواجهة النسوية المتفحشة

الذكورية المتوحشة في مواجهة النسوية المتفحشة
هوية بريس – د. أحمد اللويزة
لما خلق الله آدم عليه السلام خلق منه زوجه من جسمه، لتكون قطعة منه. وقد وصف الله هذا الخلق والغاية منه بقوله سبحانه: (وخلق منها زوجها ليسكن إليها)، وهذا ليس مقصورا على آدم وحده بل هو عام في كل البشر بعد آدم عليه السلام، إذ المؤانسة هي الغاية من اجتماع الذكر والأنثى وفق ما شرع الله عز وجل.
ومصداق ذلك قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وهذا خطاب للبشرية جمعاء، لأن إرادة الله اقتضت أن يخلق بشرا ذكرا وأنثى: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى)، وقدر بينهما فروقًا: (وليس الذكر كالأنثى) وربطه للعلاقة بينهما على الاستئناس والمودة والرحمة يعطينا صورة مثالية عن حجم الود والتفاهم والتناغم الذي يكون بين المرأة والرجل إذا لزم كل منهما حده ولم يتجاوز رسمه، ورضي بالفروق التي جعلها الله بينهما خلقية فطرية.
وهذه الفروق هي الكفيلة بتحقق التناغم والتفاهم والمؤانسة، لأن كل هذا لا يتحقق إلا بأمر الله، وأمره لا يتحقق إلا بالتزام شرطه وحكمه. فمن تأمل آية المودة والرحمة بين الزوجين وجد أن القرآن يتحدث عنها بلفظ “الجعل”، أي أن الله هو الذي يجعل ذلك بين الزوجين اللذين يخضعان لمقتضى قدر الله الشرعي والكوني. وقد قال تعالى محذرًا كلا منهما حتى لا يفتقد جوهر العلاقة: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض).
فمما سبق ومن نصوص الشارع الخالق المتصرف في خلقه يتضح أن الرجل لا تستقيم حياته إلا بوجود أنثى تناسبه، حيث يعود ما اقتطع منه إلى مكانه ليكتمل الجسد مادة وروحا. وكذلك الأنثى لا تستقيم حياتها إلا بوجود رجل يناسبها ويناسب قطعتها التي خُلقت منه. ولا يحصل هذا التناسب إلا بمراعاة قواعد الخالق في شرعه. فالعلاقة بين الزوجين بالخصوص هي علاقة تكامل وتوافق وانسجام تتحقق بهما السعادة والأنس والطمأنينة… وليست علاقة تضاد ومنافرة.
لكننا اليوم نعيش واقعا تحول فيه الوفاق إلى تنافر، والرحمة إلى عذاب، والسكينة إلى مشقة، والمودة إلى حرب شرسة بين الرجل والمرأة، الذكر والأنثى. وهذا طبيعي عندما خرجت البشرية عن السيطرة، وحادت الأنثى عن قانون الفطرة التي خُلقت عليها، وتخلى الرجل عن طبيعته التي جُبل عليها، وتداخلت الخصائص، واختلطت الطبائع، وأفرزت واقعا مشوها مقيتا يسير نحو المجهول فاقدا للبوصلة. وهذه نتيجة حتمية عندما يثور المخلوق على شريعة الخالق، ويريد أن يسير الحياة وفق أمزجة مختلطة بقيم إبليسية ووساوس شيطانية غايتها الانحراف بالبشرية عن سبيلها القويم الذي خُلقت من أجله يوم أن خُلقت ذكرًا وأنثى من أجل إعمار الأرض بالعبودية لله الخالق. وهذه الحقيقة توعّد بها إبليس في غابر الزمن يوم أن خُلق النموذج الأول للبشر فقال في تحدٍ لرب العالمين: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
وقال تعالى: (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)، وللقارئ أن يرجع ليقف مع هذه الآيات ودلالاتها التي تبين أن ما وصل إليه الحال في الصراع بين الأنثى المنتقمة والذكر المتوحش هو معركة يقودها الشيطان وأعوانه من خلف الكواليس.
ما ذكرته من غاية التوافق بين الرجل والمرأة والتكامل بينهما هو ما يؤمن به المسلم الحق المنضبط بضوابط الشرع، المستوعب لغاية الخلق. وهو ما يفتقده كثير من المنتسبين للإسلام اليوم. فبعد سنوات من الطغيان الذكوري الذي لا يقره الشرع في كثير من ممارساته، تحول اليوم إلى طغيان نسوي انتقامي، ولد لنا طائفتين متناحرتين بأساليب قذرة في كثير من الأحيان: الذكورية المتوحشة في مواجهة النسوية المتفحشة.
حيث تقوم اليوم تكتلات خاصة في العالم الافتراضي وعلى الشبكة العنكبوتية عموما، أحدها يتمثل فيما يسمى (الريد بيل)، وهو تكتل ذكوري، وفي المقابل هناك ما يسمى بالنسوية المتحررة. ومن تتبع الحرب والسجال بينهما يجده بالغ الغاية في القبح والسفالة والسفاهة. والحرب في اشتداد وتزداد سوءًا.
وهذه نتيجة حتمية عندما يتجرد هؤلاء وأولئك من قيم الإسلام وضوابطه. ومن قذارة هذه المواجهة أن تجد من يلصق أحداثها وينسب أفكارها إلى الإسلام، والإسلام منها بريء. يحسبونها على الإسلام على أساس أنه هو عدو المرأة، وأن أحكامه ذكورية، وأن من يحارب المرأة في حقوقها هو الإسلامي المتشدد (والمتشدد عندهم كل متمسك بشريعة ربه). لكن الواقع اليوم هو عكس ذلك تمامًا؛ فهي حرب بين الذكور والإناث تستعمل فيها الأساليب والوسائل القذرة والعبارات الوقحة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا يمكن لمسلم ملتزم بدينه أن يقوم بها أو أن تصدر عنه. وهذا تحول خطير في العلاقة بين الذكر والأنثى التي أصبحت عداوة مستحكمة وحربا ضروسا، كل يسعى لتدمير الآخر وكسر شوكته. مع أن الحياة لا يمكن أن تستمر إلا بهما متوافقين متفاهمين يجمعهما الود والتكامل، وهذا لا يتم إلا بتمسك كل طرف بحقه الذي أقره له الشرع والرضا به.
إن ما يحدث اليوم نذير شؤم بمستقبل لمجتمع متفكك تفككا لا يقدر مسؤول على ترميمه أو لملمته. ومع ذلك تجد القرارات الحكومية في بلاد المسلمين تتماهى مع المطالب النسوية والإملاءات الحداثية الرأسمالية الغربية بدعوى المناصفة والمساواة وتمكين المرأة. وهذه الإجراءات هي التي أشعلت فتيل الحرب والعداء بين الذكر والأنثى، حيث ترى الأنثى أنها بدأت تسترجع كرامتها المسلوبة من الذكور كما تتوهم وكما صُوّر لها في الإعلام الخادع، ويرى الذكور أنهم يتعرضون لانقلاب خطير يزحف على حقوق الرجال، ويسلب منهم كرامتهم ويستبيح حرمتهم كرجال لصالح النساء، وأنهم أصبحوا عرضة لتسلط المرأة التي تسندها الرأسمالية المتوحشة.
ومن نتائج هذا الصراع أن الأنثى لم تعد ترى في الرجل كائنا يصلح أن تعيش معه مستقبلها، وبالتالي فإن الزواج يصبح خارج حساباتها حيث أقنعوها أنه عبودية للذكر، وأنه يكفيها أن تقضي معه أياما حتى إذا ملته غيّرته بغيره كما تغيّر حذاءها وترميه كما ترمي بقايا الطعام. وفي المقابل يرى الذكر في الأنثى أنها ليست ذلك الإنسان الذي يصلح أن يعيش معه بقية عمره تحت عقد زواج شرعي، لأنه يرى فيه خضوعًا مقيتًا لغرور الأنثى.
ومن ثم تصبح في نظره كتلك القطعة التي يستعملها لحاجته ثم يغيرها بغيرها ويرميها بعد انتهاء صلاحيتها لديه. وهذا ما يصبو إليه حاملو لواء نشر الفساد والإباحية في البشرية، تسريعًا لوتيرته حتى تتهيأ الظروف لخروج دجال الهلاك الذي سيصد البشرية عن الإله الحق ويصرفها عن اتباع شريعة خالق الخلق بحق.
إن من يتابع السجال العنيف الدائر اليوم بين الذكورية المتوحشة والنسوية المتفحشة سيقف على ما يبث الرعب في نفسه، ويجعله يستشعر حجم الخطر المهدد لكيان الشعوب والدول الإسلامية في المستقبل القريب وليس البعيد. وهذه رسالة لمن لا زال في بلادنا من العقلاء أن يتدخلوا لإرجاع الأمور إلى نصابها، ونصابها هو ما أقره الخالق لكل مخلوق، رجلا كان أو امرأة، دون أن يتجاوز كل طرف حقوقه أو يتخطى حدوده. ودون هذا فإن القادم شر مستطير.



