الريسوني يكتب: إلى المتباكين والمشككين: تفقدوا إيمانكم وتدبروا قرآنكم
هوية بريس – أحمد الريسوني
أبطال المقاومة الفلسطينية، المجاهدون في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، أثبتوا جدارتهم بالثقة والإجلال، واستحقاقَهم للإسناد والإمداد..
فرغم قلة عددهم وعُدتهم،
ورغم الحصار التام الخانق، المضروب عليهم،
ورغم تكتل الأعداء لأجل استئصالهم ومحو آثارهم،
ورغم تنكر كثير من الأشقاء الأشقياء لهم، وتواطئهم ضدهم،
ورغم حملات التشكيك والتخذيل التي يتولى كبرها بعض المرجفين العرب، من مَداخلة ومَلاحدة،
رغم كل هذا وغيره، فإنهم صامدون ثابتون في جهادهم، وفي دفاعهم عن أرضهم وديارهم، وأهلهم وكرامتهم، وعن مقدسات الإسلام وحوزة المسلمين.. وهم ماضون يزلزلون أركان المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي دخل – بفضل جهادهم المبارك – مرحلة الانكماش والتآكل والتفكك.
لكن بعض المرجفين، وبعض المرتجفين، وبعض المشاغبين والمشوشين، قاموا يتساءلون ويجادلون: أين هو هذا النصر؟ ومتى هو؟ وكيف سيكون؟ ومن أين سيأتي؟ وأي معنى بقي للنصر بعد كل هذا الهلاك والخراب والعذاب؟ وهل النصر ممكن أصلا على “دولة إسرائيل”، التي تحميها وتدعمها أمريكا وأوروبا ومَن يدورون في فلكهما؟ هل من المعقول، وهل من الممكن، وهل يُتصور: أن ينهزم كل هؤلاء أمام “حماس”؟ وأن يعجزوا عن القضاء عليها؟!!
والجواب عن هذه التساؤلات، وما في طيها من شبهات، يوجد مبيَّنا في القرآن الكريم..
وقبل توضيح ذلك، أود التذكير بأن الجهاد والنصر في الإسلام يتأسسان أولا، على نيل توفيق الله تعالى ومَدده، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]. وثانيا، على الاستعداد التام لمتطلبات المعركة: قبلها وبعدها وأثناءها: عددا وعُدة، ماديا ومعنويا، تحضيرا وتخطيطا، واقعا وتوقعا..
وهذان العنصران نراهما اليوم متحققين عند المجاهدين الفلسطينيين، بأعلى الدرجات الممكنة، والحمد لله.
ثم إن الجهاد الجاري الآن في فلسطين (معركة طوفان الأقصى وذيولها)، له انتصارات وإيجابيات كثيرة متحققة ومستمرة التَّحقق، منذ اليوم الأول، محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا.. ولسنا الآن في مقام ذكرها أو التذكير بها. ومن لا يراها أو لا يعتدُّ بها، فالمشكل في بصره وبصيرته فقط.
وأما التساؤلات المرجفة أو المرتجفة، فجوابها من القرآن فيما يلي..
أولا: تكتلُ الأحزاب والطوائف الصهيونية والمتصهينة، والدول الاستعمارية وأتباعها، تكتلهم واحتشادهم ضد فلسطين والشعب الفلسطيني، لا يُرهب المؤمنين ولا يعفيهم من الجهاد ومواجهة الغزاة المعتدين، بل يزيدهم إيمانا بأنهم على الحق وعلى صراط مستقيم.. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 21، 22]
ثانيا: ميزان القلة والكثرة، وإن كان معتبرا، لا يمنع انتصار الأقلّين على الأكثرين، وانتصار الضعفاء المستضعفين على الأقوياء المستكبرين.. فللنصر والهزيمة موازين وأسباب أخرى سوى القلة والكثرة.. وها هو كتاب الله الخالد يذكرنا ويعلمنا:
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123 – 126]
ثالثا: ومن أسباب النصر أيضا: التفوق في الصبر والمصابرة والتحمل رغم القلة.. {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه} [البقرة: 249 – 251]
رابعا: المعاناة الشديدة في مواجهة المعتدين المجرمين، أمر وارد ومتوقع في جميع الحروب والمعارك الحربية، ولا مفر منه لصون الأديان وتحرير الأوطان وحفظ كرامة الإنسان. ولقد وصف لنا الله تعالى بعض ما أصاب رسولَه وحبيبه ومصطفاه، وصحابتَه الأكرمين، من المحن الرهيبة مع أعداء الإسلام، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا } [الأحزاب: 9 – 15].
وضرب لهم ولنا مثلا ونموذجا آخر من معاناة المؤمنين السابقين، فقال جل وعلا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
قال العلامة محمد رشيد رضا في (تفسير المنار):
“أي: إنهم وصلوا إلى درجة حدوث الاضطراب والإشراف على الزلل في مجموعهم، كما قال تعالى في المؤمنين يوم الأحزاب: (وزلزلوا زلزالا شديدا) (23: 11).
والآية التي نفسرها تصرح بأن بعض السابقين كانوا أشد زلزالا من هذا الذي وقع للمسلمين في يوم الأحزاب. ولعل الغاية التي وصلوا إليها، ولم يصل إليها سلفنا، هي قوله تعالى: (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله)، أي: حتى وصلوا إلى غاية من الشدائد والأهوال لم يروا فيها منفذا لسبب من أسباب الفوز؛ لأن قوة أعداء الحق أحاطت بهم من كل جانب، ودنت حتى أخذت بأكظامهم، فاعتقدوا أن وقت العناية الإلهية والنصر الذي وعد الله به من ينصر الحق قد حان وقته أو أبطأ، فاستعجلوه بقولهم: (متى نصر الله)؟ فأجابهم تعالى: (ألا إن نصر الله قريب)، بأنْ نصَرهم، وكف عنهم شر أهل البغي، وأيد دعوتهم، وجعل كلمتهم العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكان الله قويا عزيزا. ومثل هذه – بل أشد – قوله تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء)..”.
خامسا: ومع أن النصر على العدو قريب وأكيد، لمن استوفَوا شروطه، فإن الله تعالى يوجه أنظار المجاهدين – أولاً – إلى ما هو أبعد وأسعد، وأعظم وأدوم.. ثم يأتي النصر الدنيوي في المرتبة الثانية. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 – 13].