الريسوني يكتب: محاربة رمضان على مدار العام

الريسوني يكتب: محاربة رمضان على مدار العام
هوية بريس – أحمد الريسوني
بعد انصرام رمضان من كل عام، يتوجه عامة المسلمين إلى الله تعالى سائلينه أن يتقبل منهم رمضان الذي فات، وأن يبلِّغهم ويوفقهم في رمضان الذي هو آت..
وبين رمضان ورمضان: ينشغل رواد المساجد ومحبو القرآن، وعشاق التراويح، بتحصين مكاسبهم الرمضانية، وأحوالهم الإيمانية، وأنشطتهم القرآنية، وعطاءاتهم الإحسانية، ويستعدون لجعل برامجهم ومشاريعهم أرقى وأتقى، في رمضان المقبل.
ولكن بعض الأخسرين البائسين لهم طريقة أخرى في التعامل مع رمضان.. فهم يحاربون رمضان ويعاكسونه: من رمضان إلى رمضان..
فما أن ينصرم الشهر الفضيل، حتى تبدأ الاستعدادات، وتخرج الإعلانات والتسريبات، وتظهر المنافسات، وينطلق السباق والتنافس، للحصول على أوفر نصيب من كعكة رمضان، أو بالأحرى: كعكة محاربة رمضان!
وككل سنة، ومنذ عدة شهور، بدأ بعض الفنانين والفتانين، يروجون لما يُـعدونه لشهر رمضان، ويتسابقون لتمرير مشاريعهم “الفنية”، التي لا علاقة لها برمضان إلا من باب المعاكسة والمشاكسة.
هؤلاء المتسابقون: بعضهم دراميون، وبعضهم غراميون، وبعضهم كوميديون، وبعضم مخرجون، وبعضهم يغَنون ويرقصون، وبعضهم سياسويون مسؤولون، يخططون ويوجهون، يمولون ويتمولون، ولشركاتهم وأقاربهم يؤثرون. وهم في النهاية يفسدون في الأرض ولا يُصلحون.
وإذا كان بعض هؤلاء لا يهمهم إصلاح ولا إفساد، وإنما يهمهم التكسب المالي الشخصي فقط، فإن كبراءهم يريدون – مع المكاسب المالية – محاربة رمضان وما يصحبه من إقبال شديد على التدين. يريدون كبح التدين باللاتدين، ومواجهة المجتمع المتدين بتشكيل مجتمع مميَّع متحلل.
فهؤلاء يفسدون على كثير من الناس صيامهم وقيامهم، وسائر عباداتهم وصالح أعمالهم، بل يفسدون عليهم حتى نومهم وصحتهم، وعملهم في وظائفهم.. أسلحتهم في ذلك: مسلسلات تلفزية متتابعة، وسهرات ومهرجانات في كل الاتجاهات، وتتفيه باسم الترفيه، وسخافات “كوميدية”، تزكم حموضتُها الأنوف..
وقد ورد في الحديث الشريف أن شهر رمضان (تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصَفَّد فيه الشياطين، وينادي فيه منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان)..
فرمضان شهر الأعمال الصالحة: التعبدية والتربوية والاجتماعية والتثقيفية..
ولكن أعداء رمضان – وعلى مدار العام – يجتهدون ويستعدون، ويخططون ويبرمجون، فإذا أقبل رمضان نجدهم يعلنون وينادون: يا باغي التفاهة والمجون واللهو والخمول: هلمَّ إلينا، وإن لم تأتنا أتيناك وغزوناك في عقر دارك، وأحطنا بك من كل جانب. وبهذا فهم يقطعون الطريق على الناس، ويصرفونهم عن ربهم، وعن الأعمال الصالحة وفرصتها السانحة.
هؤلاء المفسدون يرون أن فرصتهم السنوية الممتازة هي رمضان، ما دامت الشياطين تُصفَّد ويتقلص نشاطها في هذا الشهر. وهكذا يقومون بملء الفراغ وتعويض الشياطين المصفّدة..
نعم، شياطين الإنس ينوبون عن شياطين الجن.. ولله في خلقه شؤون..



