الشيخ القزابري يكتب: قَلْبٌ يُنَاجِي أَبَاهْ…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمان الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام:
هُناك.. مِن بينِ النُّجوم.. يتسلَّل شعاعٌ يداعبُ قلبِي.. وأنا أسائل الذِّكْرى.. وقد هَجرَني الكَرَى.. وأَسْلمَنِي إلى مراكبِ الشُّجونْ.. فانطلقتُ سابحًا في أوديةِ السُّكُون… تَتراءَى أمَامِي ذِكْرياتِي.. مُختلفةَ القَسمَاتْ.. مُتبايِنَةَ النَّغمَاتْ… فنغمةٌ تُشجِيني وتُطرِبُني وتدخِلُنِي واحاتِ الجمالْ… حيثُ آوي إلى ظلِّ الأَمانِ فِرارا مِن لَسَعاتِ الهَجيرْ… يَجري الماءُ حَوْلي بِخريرهِ المُحْيِي.. يَبثُّ المُنى ويَسقِي أرضَ قلبي.. وبينَ ماءٍ مُنسابٍ ونخْلٍ بواسِقْ.. هتفَ صوتُ الحادِي لمواصلة المَسيرْ… يا الله… حتى في عالَم الذِّكريات… يتعذَّر الإنزواء بعيدا عن تشويش الهَدِيرْ.. مضتْ قافلتِي فوق دِيارٍ مُضيًّا لا يُشبه المَسِيرْ.. فتبدَّتْ لي دِيارٌ كانتْ مأوى لرُوحِي.. ووجوهٌ باسماتٌ نفحنِي منها العبِيرْ… عرفتُها بتفاصِيلها.. وكيف لا أعرِفُها وأنا قد تعلمتُ مِن بين أحضانِها الفرق بين الغادِر والغَديرْ… وعرفتُ صرخةَ النَّعيِّ ونغمةَ البَشيرْ… يالَجمالِ تلك الوُجوهْ… رأيتُ وجهَ أبي باسمًا… بِسَحْنتِه المائلة إلى صُفرة الخُشوعْ… كَذلكُم كانْ.. يا الله… إنه المُخبِتُ الأوَّاهْ… القنوعُ المُتَّئِد الصَّمُوتْ… المُستعلي على متاعِ الغُرورْ… المُنزوِي في محرابِ التبتُّلْ… مُنتهى آمالِه ركعاتٌ يركعُها في السَّحرِ ينثُر معها الدُّموعْ… ورِحْلةٌ تطوفُ فيها روحُه قبلَ جسَدِه بالبيتِ العتِيقْ.. نعَم كذلكُم كَانْ.. كذلكُم كانْ… فناجتْه رُوحي.. أتذكر يا أبي يوم أن دخلنا مكة مُحْرِمَيْنْ…؟ ففاضَتْ بالدَّمعِ عيناكْ.. وارتعَد جِسمكْ.. وجَعلتَ تدعو لي ونحنُ نطوفْ.. فمِن حجر أسودَ إلى مُلتزمٍ فَحِجْر فركنٍ يمانِي… ثُمَّ توالى المَسيرْ.. أتذكُر الصفا والمروةَ وما دار بينِي وبينَك من أحاديثْ… كانت أسئلتي أسئلةَ طفلٍ مندهشٍ مِن عظمة المَكان.. وكانت أجوبتُكَ أجوبةَ عارفٍ بالله صاغَ وجدانَهُ التعلُّق برب المكانِ والزَّمان.. أتذكرُ بعد أن تحلَّلنَا.. وأخذنا مِن الراحة حظَّنا.. فقلتَ لي.. ياعويمِر.. تعالَ نزورُ البيتَ الذي وُلدَ فيه الرَّسول صلى الله عليه وسلم… فقلتُ وأنا الطفْل الصغيرْ.. الغَضُّ الطَّريرْ.. يا الله.. المكانُ الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم…!!! فأخذتْني هيبَة.. أنتَ مَن زرعتها في.. وأنتَ الذي علمتني تعظيمَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.. وأنتَ الذي كنتُ أرى الدَّمع يَسِحُّ مِن عينيْك كلما ذُكرَ الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأنتَ الذي كنتَ تحكي لي شذراتٍ من سيرته صلى الله عليه وسلم.. فتخنقُك العَبْرة.. ويلفُّك العَبيرْ.. نعم أنت.. نعم أنت.. أتذكرُ يا أبتِ يوْم أن دخلنا للسَّلام على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم.. فبكيتَ وأبكيتْ… فحِرتُ في أمْري.. بينَ عظمةِ الموقف الجللْ… وبين بكائك الغريبْ… أتذكر يا أبتِ يوم تُهتُ عنْك في الحَرم.. فالتقينا عند أستارِ الكعبة.. فعانقتني وقلتَ لي.. لقد جئتُ لأدعو الله كي أجِدَكْ.. وجدتَني قبل أن تدعوَه سبحانه وبحمده.. ما أكرمَ الله.. ما أعظمَ الله.. ما أحلمَ الله… وغصتُ في بحارِ الذِّكريات.. وفي لحظة..!! توارتِ الذكريات خلف سُدُمِ الغيب.. وإذا بمؤذن الفجر.. ينادي.. الله أكبر.. الله أكبر… نعَمْ … .الله أكبر من أحزانِي.. الله أكبر من أشجانِي.. الله أكبر ممن آذانِي.. الله أكبر مِن مَن كادني وعادانِي.. ما أعظمها من جُملة… الله أكبر.. تمنحك الصبر على الفراقْ… وتكفكف دموعك النازلة من الآماقْ.. وتحقِنك بحُقنِ الإنْماءْ.. وتلقحك بلقاحِ الاحتماءْ.. فلا خوفَ ولا حزَنْ.. فالله أكبر من كل شيء.. رحمةُ الله عليك يا أبي يا أنا… يامن علمني بحاله ومقاله معنى: الله أكبر…
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري
جمييل ما كتب من غير أن أشعر وجدت العبرات تخنقني ربما كانت من تأثري بالسرد وأنت رفقة ذالك الأب كيف كان هذا الحب للمصطفى حتى جعله يبكي فيبكي اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ورفقة المصطفى عليه الصلاة والسلام