“الصباح” تطلق العنان لأمانيها وتعلن “نهاية زمن النقاب”!

هوية بريس – عبد الله التازي
أعادت جريدة الصباح، في عدد الأربعاء 26 نونبر 2025، فتح ملف التلميذة المنقبة بثانوية أركان التأهيلية بالصويرة، لكن بأسلوب مثير للدهشة أكثر منه للإخبار.
فقد اختارت الصحيفة عنوانًا غير مسبوق: “نهاية زمن النقاب في المدارس”، وكأن المغرب أصدر فجأة مرسوماً حكومياً أو قانونًا تنظيميًا يمنع النقاب، أو كأن “المؤسسة الصحفية” أصبحت صاحبة سلطة دستورية مخوّلة للإعلان عن نهاية لباس ديني مارسه المغاربة منذ شرفهم الله تعالى باعتناق الإسلام عن طواعية واختيار.
المؤسف في المقال ليس العنوان فقط، بل الجرأة على تقديم موقف صحفي كأنه “حقيقة قانونية”، بينما الوقائع الرسمية، والوثائق التنظيمية، والدستور المغربي نفسه، جميعها تؤكد شيئًا واحدًا: لا وجود في المغرب لأي قرار يمنع النقاب داخل المؤسسات التعليمية.
لا قانون… ولا مذكرة… ولا نظام داخلي يمنع النقاب
جوهر التضليل في مقال الصباح هو تقديم “النقاب” كلباس خارج القانون، أو كأنه أصبح محظورًا، بينما الحقيقة الثابتة تقول الآتي:
* الدستور المغربي يضمن حرية اللباس ما دام لا يمسّ بالنظام العام.
* القانون الإطار 51.17 ينص بصراحة على أن التعليم حق لجميع الأطفال دون تمييز بسبب المظهر أو المعتقد.
* مذكرات وزارة التربية الوطنية حول “الزي المدرسي” لم تلزم أحدًا بكشف الوجه ولا تحدد مواصفات الرأس أو غطاء الوجه.
* النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية يفرض “الزي المحتشم” وليس “الزي المكشوف”.
وبالتالي، فإن كل ما تروّجه الصحيفة ليس سوى تهويل صحفي فارغ بلا أي أساس قانوني.
إن تقديم “النقاب” كأنه مظهر مخالف للقانون هو خلط متعمد بين مفاهيم لا علاقة لها ببعضها، وتحريف لجوهر النصوص الوطنية المنظمة للمدرسة العمومية.
التلميذة لم تُعاقب دراسياً… بل مُنعت من حقها لأنها منقبة
البلاغ الرسمي للمديرية الإقليمية بالصويرة يثبت أن التلميذة:
-
لم تُسجل في حقها أي مخالفة سلوكية؛
-
كانت راغبة في متابعة دراستها؛
-
تم استدعاؤها ولجنة وُجّهت نحو منزل أسرتها؛
-
طُلب منها بشكل مباشر نزع النقاب مقابل السماح لها بالدراسة؛
-
رفضت الرضوخ لهذا الشرط غير القانوني.
إذن، القضية ليست “انقطاعاً دراسياً” أو “غياباً غير مبرر”، كما حاول المقال إيهام القارئ.
القضية باختصار: تلميذة حُرمت من حقها في التَّعلم فقط لأنها ترتدي النقاب!
وهو ما يشكل خرقاً للدستور والقانون، وعدواناً صريحاً على حقها المشروع في التمدرس.
وصم النقاب بـ“اللباس غير اللائق” انحراف خطير عن المهنية
قدمت الصباح -كعادتها – النقاب باعتباره “لباساً مشرقياً دخيلًا” و“غير لائق”، وهو توصيف يفتقر إلى المهنية الصحفية، واحترام حرية الممارسة الدينية. كما ينم عن جهل فاقع بتاريخ المغرب وثقافته.
النقاب ليس لباساً “غريباً” ولا “طارئاً” على المجتمع المغربي؛ بل هو ممارسة دينية أصيلة، موجودة في الفقه المالكي، ومتجذرة في تاريخ المغرب قبل أن تعرف الصحافة نفسها طريقها إلى الوجود، فكيف بأقلام لا تعرف من الصحافة غير تصريف أحقاد إيديولجية بالية عفى عليها الزمن.
مدرسة بلا تمييز… لا منصة لفرض أذواق مستوردة
المدرسة المغربية مؤسسة تربوية عمومية، وليست فضاءً لتصريف اختيارات إيدلويوجية مستوردة أو فرض نمط محدد من اللباس ليتوافق مع هوى هذه الإدارة أو تلك الجريدة.
حرمان تلميذة من الدراسة بسبب لباسها الشرعي ليس “تنظيماً تربوياً”، بل خرق فاضح للدستور، واعتداء على حرية شخصية محمية، ومخالفة صريحة للقانون الإطار 51.17، بل وتجنٍّ على حق أصيل لكل أسرة مغربية في تربية أبنائها على الالتزام بأحكام الإسلام وشرائعه السمحة.
الزي الموحد لا يفرض كشف الوجه، ولا أي نص في المغرب يعطي الحق لإدارة تربوية أن تُلزم التلميذات بذلك.
“نهاية زمن النقاب”: رغبة صحفية لا حقيقة قانونية
ما قامت به الصباح لا يعدو كونه “أمنية” فارغة صيغت في قالب عنوان فاقع يحاول إيهام القارئ بوجود تحوّل قانوني لم يقع أصلاً، في محاولة لشرعنة سلوك إداري خاطئ، وتقديم الإقصاء كأنه “تقدم”.
ختاما نؤكد أن ما جرى ليس “حسمًا تربويًا”، بل منع غير قانوني لتلميذة مغربية من حقها الدستوري في التعلم.
وما نشرته الصباح ليس “خبرًا”، بل خطابًا مؤدلجًا يحاول توجيه الرأي العام نحو رؤية إقصائية لا تستند إلى أي نص، ولا تحترم هوية المجتمع المغربي، ولا تنسجم مع مرجعيته الإسلامية.
النقاب لم يُمنع، ولن يُمنع، لأنه حق ديني، وحريّة شخصية، وممارسة مشروعة بالدستور والقانون. وحق التلميذة في متابعة دراستها أسمى من أي أماني فارغة مهما علا صوتها.



