الصورة النمطية لمستشار التوجيه في منظومة التعليم
هوية بريس – زوهير النبيه (باحث في العلوم الاجتماعية)
تقوم الحياة عامة على الاختيار، والإنسان هو بالضرورة نتيجة لاختيارات إما شخصية أو يفرضا السياق الاجتماعي عبر الجبر والإكراه أو عبر التيسير والتسهيل. وبما أن الحياة المدرسية لا يمكن أن تخرج عن الحياة العامة فهي بدورها تقوم على الاختيار والذي يخضع بدوره لنفس منطق الاختيار في الحياة العامة. ويتميز الاختيار في المدرسة بخضوعه لمجموعة من الإجراءات الإدارية والتخصصية. وما يهمنا في هذه الورقة هو النوع الثاني من الإجراءات والتي ترتبط بشكل عضوي بالتوجيه المدرسي أي بالمستشار في التوجيه التربوي، والمهام المنوطة به، والأدوار التي يقوم بها أثناء مزاولة عمله، والحدود التي ترسمها له القوانين من خلال المذكرات المؤطرة لتدخلاته.
يعتبر التوجيه المدرسي مكونا من مكونات المنظومة التربوية وجزء لا يتجزأ منها، كما ورد في الوثيقة الأهم في تاريخ التربية والتعليم بالمغرب (الميثاق، مادة99). كما دعت “رؤية استراتيجية للإصلاح 2015/2030” إلى “تحديث منظومة التوجيه المدرسي والمهني، وإعادة النظر في مفهومه وفي طرقه وأساليبه الحالية، وتفعيله على النحو الأمثل من خلال إرساء بنياته، وتجديد وتنويع أساليبه وآلياته، وبلورة نموذج جديد يضبط المهام والأدوار والانتساب الإداري لهيئة التوجيه التربوي”(مذكرة 17*22). والأسئلة الملحة التي تطرح بعد هذه “الرؤية” التي وردت بدون تعريف، متعلقة بحدود أدوار المستشار في التوجيه في الإجابة عن سؤال التحديث، وسؤال المفهوم، وسؤال البنيات، وسؤال التجديد، إلى أن نصل إلى سؤال بلورة النموذج الذي يضبط المهام والأدوار، لكي نقتفي ونحن نتلمس طريق الإجابة حدود المسؤولية.
سندع كل هذا جانبا بعض الوقت ونغوص بعض الشيء في التسميات والتي سننظر إليها من منظور اللسان والذي بموجبه تكون التسمية ظاهرة اجتماعية.
فإدراك الأفراد كما الأشياء يتم عبر المتتالية الصوتية التي تشكل بها الأسماء والتي تترك صورتها السمعية أثرا في النفس. ولننظر الآن في تسمية إطار التوجيه. يسمي التلاميذ وأولياؤهم المستشار في التوجيه بِ “الموجه”، والأغرب من ذلك أنه في كثير من الأحيان يطلق الأساتيذ وأطر الإدارة التربوية عليه نفس الاسم.
والموجه في اللغة اسم فاعل من فعل وجّه، ووجَّه الشّيءَ أو الشَّخصَ: جعله يأخذ اتّجاهًا معيّنًا، وهذا المعنى هو الذي تختزل فيه النظرة النمطية التي تقاس بها مهام مستشار التوجيه. والانتقال به من فعل الاستشارة والمساعدة على التوجيه إلى فعل التوجيه. فينتقل التوجيه من منظومة تربوية يتداخل فيها فاعلون لا حصر لهم من داخل الوسط المدرسي ومن خارجه، إلى شخص “الموجه”، وفي أحسن الأحوال إلى أطر التوجيه.
لا يقوم المستشار بعملية توجيه المتعلمات والمتعلمين نحو المسارات الدراسية التي يختارها لهم، ولا ينبغي له أن يقوم بها، ولا يمكنه القيام بها ولو أراد ذلك، إنما وظيفته بتبسيط شديد هي المساعدة على التوجيه عبر الاستشارة والإعلام. لذلك اختير له من الأسماء المستشار في الأوراق الرسمية وليس “الموجه”. فالتوجيه التربوي يستدعي قبل كل شيء تظافر جهود كلا من ھيئة التفتيش، والإدارة التربوية ومجالس المؤسسة، وأطر التدريس عامة والأساتذة الكفلاء خاصة، والمتعلم، وآباء وأولياء المتعلمات والمتعلمين، والمساعدين في المجال الاجتماعي والصحي، والمهنيين… (مذكرة17، فبراير 2010)، ولا يشكل المستشار في التوجيه إلا حلقة ضمن مجال التوجيه هذا، ولا يستقيم عمله إلا إذا “صلح” سياق الاشتغال بأكمله. وبالتالي لا توجد إمكانية لإصلاح حقيقي وموضوعي لمنظومة التوجيه بحصر النظر إلى مستشار التوجيه فقط، بل وجب مساءلة المنظومة بأكملها لإيجاد بعض أجوبة للأسئلة الكبرى المطروحة آنفا.
لا يشتغل المستشار في التوجيه وحده في مكتب بابه نصف مغلق، وإنما يكون عمله ميدانيا يقوم على دعامتين أساسيتين هما التعبئة والتنسيق. وتشكل هاتان الدعامتان فلسفة التوجيه التربوي وروحه. ولذلك نجد أن التدخلات الأساسية التي يقوم بها المستشار على شكل تنسيق وانفتاح وتواصل مع المؤسسات المعنية بالدراسات والتكوينات، وتنسيق مع الإدارات التربوية بالمؤسسات الثانوية، وتنسيق جميع عمليات التوجيه المنجزة من طرف المؤسسات الثانوية، وتنسيق عمل المجالس الخاصة بالتوجيه ولجن إعادة التوجيه ولجن الاختيار الأولي ولجن إرجاع المفصولين والمنقطعين. ولكي يتمكن المستشار في التوجيه من القيام بالمهام الموكلة إليه وجب “بداهة” تسهيل ولوجه إلى المعطيات المتعلقة بالأوضاع التعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين (مذكرة 17*22، مارس 2017)، الأمر الذي لم يتحقق إلى حدود كتابة هذه السطور.
سنمضي قدما والحالة هاته لنطرح الأسئلة تباعا وبشكل مباشر: ماهي حدود مسؤولية المستشار في التوجيه التربوي في تحديث مجال التوجيه؟ وهل من المعقول أن نسائله عن إعادة النظر في مفهوم التوجيه وفي طرقه وأساليبه الحالية؟ وهل من المعقول أن نسائله عن إرساء البنيات وتجديد وتنويع الأساليب والآليات؟ وهل للمستشار في التوجيه بحكم تخصصه دور محوري في تفعيل هذه المقتضيات؟ وهل من المعقول أن نسائله عن حالة “الكمون” التي تعيشها منظومة التوجيه خاصة ومنظومة التربية عامة؟ هذه نماذج من أسئلة عديدة نطرحها للفت انتباه البعض الذين يعتقدون أنه بمجرد الحديث عن المستشار في التوجيه سيوقعون على “بيان” لإخلاء المسؤولية من الحالة التي تعيشها منظومة التوجيه التربوي في الزمن الراهن… (يتبع)