الطعن في شخص رسول الله ﷺ وعلاقته بنقض التراث الإسلامي
هوية بريس – عمر بعدي
حينما تكون الشهوةُ دليلَ الشهرة، والهوى سبيلا لإذاعة التفاهة، فإن الإنسان يهرف بما لا يعرف، ويهذي بما لا يدري، ويتخبط في الأوهام دون استناد إلى يقين ولا برهان، ودون اعتماد نقل صحيح ولا عقل صريح.
ومن هنا تأتي النتيجة عبارة عن مغالطات وافتراءات، لا يحسب لها أي حساب في ميزان العلم ولا العقل، ولا يُصيخ لها سمعا إلا ضعاف الفكر والثقافة، أو المتعصبة للباطل والجهالة.
ومن المغالطات التي يحاول الأفاكون إعادة إنتاجها اليوم، تصوير النبي محمد عليه الصلاة والسلام بأنه رجل شهواني غارق في لذات الجسد، وكل ما يهمه هو نيل أوطاره من الملذات والشهوات.
والحق أن هذه الشبهة وإن لاكتها الألسن حديثا بأسلوب جديد، فإنها قديمة يرجع الوزر في بثها بين أرجاء المجتمع الإسلامي، لمحترفي الغزو الفكري والثقافي من المبشرين وأكثر المستشرقين.
وأوزارُ من يسيرون وراءهم من المغرمين بتقليدهم، ومَن به هَوَسٌ بالتبعية لهم، والتعلقِ بأسمالهم، إنما تنحصر في ولائهم لهذا الفكر الزائف، وانتمائهم إليه، دون بذل مجهود في بحث، ودون محاولة أي فهم.
_وحيث قد تعالت جعجعة هذه الشبهة مرة أخرى، فإنه يكون من واجب أبناء صرح الثقافة الإسلامية، أن يبينوا وجه الصواب للناس، وينوروا عقولهم، ليتفرَّى الليل عن صبحه، وتنجاب الغاشية عن أعين الواهمين، وتصفو الرؤية أمام أبصارهم، فيروا هلال الحقيقة واضحا أمامهم، لا تحجبه غيوم، ولا يغطيه ضباب.
إن أي محاولة لتشويه سمعة النبي محمد ﷺ عن طريق وصمه بعار الشهوانية، إنما تستهدف بالأساس الطعن في شخصيته، ومن ثم الحط من قدره الشريف ﷺ، وصولا إلى إنكار نبوته التي أراد الله بها خيرا للعالمين، وهذا هو الحلم الوردي الذي يسعى عمالقة تزوير الحقائق إلى بلوغه، وهيهات أن يتحقق لهم ذلك يوما وقد سطع نور نبوة رسول الله ﷺ على العالمين، وعم أرض الثقلين.
ويكفي برهانا لبيان تفاهة ما يروجه خصوم الدين، إطلالةٌ قصيرة على قصة زواج النبي ﷺ بخديجة رضي الله عنها، فإنهم واجدون فيها ما يدحض زعمهم، ويعكس تماما أوهامهم.
فلقد اتفق كتاب السيرة النبوية الثابتة، على أن النبي محمدا ﷺ لم يرغب في الزواج بخديجة –رضي الله عنها- أولا، بل هي التي رَغِبت فيه لِما أحبت فيه من خصال الصدق والإخلاص والأمانة، وما لمسَتْه من البركة المتزايدة في تجارتها التي كان وكيلا عليها، فأرسلت إليه تخطبه لنفسها، فتزوجها عليه الصلاة والسلام وقد تم له من العمر خمس وعشرون سنة، ولها من العمر أربعون.
وأول ما يُدركه الإنسان من قصة زواج النبي ﷺ بخديجة –رضي الله عنها- هو عدم اهتمامه بأسباب المتعة الجسدية، إذ لو كان كذلك لطمع بمن هي أقل منه سنا، أو بمن ليست أكبر منه على أقل تقدير.
ويُضيف كتاب السيرة النبوية بأن هذا الزواج قد ظل قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عاما، وقد ناهز النبي عليه الصلاة والسلام الخمسين من العمر، دون أن يفكر خلالها بالزواج بأي امرأة أو فتاة أخرى، وما بين العشرين والخمسين من عمر الإنسان هو الزمن الذي تتحرك فيه رغبةُ الاستزادة من النساء، والميل إلى تعدد الزوجات للدوافع الشهوانية.
ولكن محمدا صلّى الله عليه وسلم تجاوز هذه الفترة من العمر دون أن يفكر بأن يضم إلى خديجة مثلها من الإناث. وفي هذه الحقيقة العلمية الثابتة ما يلجم تلك الأفواه التي تتخذ من القدح في المسلمات صناعة يحترفونها ويتكسبون منها.
_ويتغيى هؤلاء المتجاسرون على الطعن في مسلمات الدين الإسلامي، مقصدا آخر وهو التهوينُ من شأن تراثنا الغني بالجواهرِ والدرر، والزاخرِ بالأدوية لعلاج كثير من المشاكل التي استعصى اليوم حلُّها على الأفهام، وأورثَ الناسَ بسبب نفورهم من الانتفاع الواعي به، مآزقَ واضطرابات نفسية واجتماعية.
وما زلنا نرى آثار الدعوة إلى إلغاء التراث الإسلامي جملة وتفصيلا ماثلة للعيان، ولا يخفى ما في هذه الدعوى من خطل الرأي، والمزايدة على التراث، لأنه لا يتصور من أمة ضاربة في التاريخ، عريقة في الحضارة، أن تهمل تراثها وتبدأ من الصفر، فإن بناء الحضارة والثقافة إنما يكتمل باستصحاب تراث الماضي، والانتفاع بمعارف الحاضر، ومن ثم استشراف المستقبل المنشود.
على أن خصوم التراث وإن تعالموا بنقضه وهدمه من أساسه، فإنهم تراثيون أيضا بالبديهة فيما يعيدون نشره من شُبَهٍ، وتراثيون أيضا لغيرهم في المسلك التحرري الذي يدعون انتهاجه وسلوكه، وإنما الكلام من الكلام كما قال العلامة عبد الله كنون رحمه الله.
والله الهادي والموفق للصواب.