القرآن الكريم أساس بناء الأمة ونهضتها

21 مارس 2025 16:58
تفاعلا مع ما جاء في تدخل رئيس حركة التوحيد والإصلاح.. ملاحظات بسيطة ذات دلالات كبيرة

هوية بريس – د. إدريس أوهنا

إذا أرادت هذه الأمة أن تسترد ريادتها وسيادتها، وعزتها ووحدتها، وشهودها وخيريتها، وترجع إلى المسار الصحيح، فعليها أن تتمسك تمسكا قويا بالقرآن الكريم؛ بأن تتخذه مصدرا لتلقيها، ومنهجا لحياتها، وسبيلا لنهضتها،

ولكن بشرط أن تصحح منهجها في التعامل مع القرآن الكريم أولا؛

وذلك بتجاوز هجره، والاهتمام بما سواه من الأغاني التافهة والأفلام والمسلسلات المائعة، وما إلى ذلك، وهو الغالب على الأمة اليوم،

وبتجاوز التركيز على الحفظ والتلاوة وإهمال الأهم وهو التدبر والعمل، وهو الغالب على المقبلين من الأمة على القرآن اليوم.
قلت: لتنهض الأمة من جديد لا بد من الاستمساك بالقرآن الكريم،

قال الله تعالى في سورة الزخرف: {فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ ۝٤٣ وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـألُونَ}؛

ولماذا الاستمساك بالقرآن الكريم؟

لأن القرآن الكريم يتميز بقدرة عجيبة على التغيير، والله تعالى يقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}،

ولكي نغير ما بأنفسنا انطلاقا من القرآن الكريم، الذي وصفه منزله سبحانه وتعالى بأنه إمام، ونور، وشفاء، وهدى، وموعظة وغير ذلك من الأوصاف الرفيعة، لا بد من تدبر معانيه، والعمل بمقتضاها، قال تعالى في سورة (ص): {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب}أي: ليتفكروا في معانيه ومراميه، ويعملوا بمقتضياتها. وقال تعالى في سورة الأنعام ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

وفي الآيتين دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والعمل لا لمجرد التلاوة، وإن كانت تلاوته مجرد تلاوته لا تخلو من أجر، قال الله تعالى في سورة فاطر: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.

وكما أن تلاوته مجرد تلاوته لا تخلو من أجر فقد لا تخلو من أثر وإن قل، ببركة هذا الكتاب وروحانيته المودعة فيه.

ويبقى الأهم من التلاوة ومن الحفظ، التدبر والعمل.

ولنعلم أن التدبر يتوقف على أعمال قلبية قبله، تعين عليه وتؤدي إليه بتوفيق الله تعالى، وهي: تعظيم المتكلم، وتعظيم الكلام، وحضور القلب عند التلاوة أو الاستماع لكلامه سبحانه وتعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
ومن الأهمية بمكان الاستعانة ولو بتفسير ميسر أو مختصر للقرآن الكريم.، فإن فهم المعنى يعين على التفكر فيه وتدبره.
ولنعلم كذلك أنه، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: “لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.”

وأول هذه الأمة، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، إنما صلح بالقرآن الكريم، وببيانه طبعا وهي السنة النبوية، فقد كان – عليه السلام – قرآنًا يمشي على الأرض،

والصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يتلقون عشر آيات عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فانعكس ذلك على سلوكهم وحياتهم؛ ولذلك رفعهم الله تعالى بالقرآن، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين))،
وعلى نهج الجيل القرآني الفريد، جيل الصحابة رضوان الله عليهم سار التابعون، فتلقوا وتنقوا وترقوا،

ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا العلاقة بالقرآن الكريم، وأضاعوا المنهج القويم في التعامل مع القرآن الكريم، وما زالت الهوة تتباعد بين المسلمين وبين تدبر القرآن والعمل به، حتى وصل المسلمون إلى ما هم عليه من تخلف وتفرق وتبعية وذل وخذلان وهوان،
وما دام الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا ينقطع إلى قيام الساعة، فها هي ذي غزة ترفع لواء العودة إلى القرآن الكريم بمنهج التدبر والعمل، والمدارسة والممارسة.

وقد شاهدنا المخيمات القرآنية التي أقامتها حركة حماس في العطل الصيفية، والتي تخرج منها عشرات الآلاف من الفتية والفتيات، فانعكس ذلك عليهم ثباتا وصمودا وجهادا واستشهادا.

أما باقي الأمة فيغلب عليها البعد عن ذاك المنهج للأسف الشديد، وإن كثر حفاظها وقراؤها؛

1- خذ على سبيل المثال لا الحصر علاقة الأمة بأول تكليف شرعي نزل من السماء وهو: “اقرأ”، وتأمل واقع أمة “اقرأ” تجدها لا تقرأ؛ كما يشهد على ذلك متوسط معدل القراءة في الوطن العربي، الذي لا يتجاوز الصفحة الواحدة للفرد العربي في السنة بكاملها.
2- وخذ على سبيل المثال كذلك كيف صارت علاقتنا بالعهود والمواعد، وباحترام الوقت الذي هو مقوم من مقومات الحضارة، مع أننا نقرأ في كتاب الله تعالى:

{ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا }[الإسراء:34].

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91].

{ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِم إِذَا عَاهَدُوا } [البقرة: 177]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2، 3].

3- وخذ على سبيل المثال كذلك موقع الأمة من قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وانظر إلى الأمة وهي كليلة عليلة لا تعد سلاحها ولا دواءها ولا غذاءها… وتستورد ذلك كله من أعدائها، الذين يحاربونها ويحاربون الله ورسوله.

4- وخذ مثالا آخر قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} وانظر إلى حال الأمة ممزعة مفرقة، لا تجتمع لها كلمة.

5- وخذ قوله تعالى: {المومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض} التوبة 71، وقوله كذلك: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} الأنفال73، وانظر إلى تخاذل المسلمين في نصرة إخوانهم بغزة وفلسطين.

6- كما أننا نقرأ قول الله تعالى من سورة النور: {قُل لِّلْمُومِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، ومع ذلك نتساهل في إطلاق أبصارنا في الشوارع والحواسب والهواتف النقالة، يقول الشاعر: كل الذنوب مبداها من النظر# ومعظم النار من مستصغر الشرر.

كم من نظرة فتكت في قلب صاحبها # فتك السهام بلا قوس ولا وتر.

والمرء ما دام ذا عين يقلبها # في أعين الغيد موقوف على الخطر.

يسر مقلته ما ضر مهجته # لا مرحبا بفضول عاد بالضرر.

وقس على ما ذكر نظيره مما لم يذكر.

أعود لأقول وأقرر في الختام أنه لا سبيل لنهضة هذه الأمة، بأفرادها، ومؤسساتها المختلفة -ومن أهمها مؤسسة الأسرة-، ودولها وأقطارها كذلك، إلا باتخاذ القرآن الكريم مصدرا أولا للتلقي والتنقي والترقي، بمنهج تدبر معانيه ومراميه، والعمل بمقتضياتها على جميع المستويات وكافة الأصعدة.

وإليكم بعض الأقوال المنتقاة لبعض العلماء الثقات، لمن شاء أن يتأمل ويتفكر:

الشيخ القرضاوي، في كتابه: كيف نتعامل مع القرآن العظيم، ص141، يقول:

“على صاحب القرآن أن يكون مرآة يرى الناس فيها عقائد القرآن وقيمه وآدابه وأخلاقه، وأن يتلو القرآن فتصدقه آياته، لا يتلو القرآن فتلعنه آياته.”

الشيخ محمد الغزالي، في كتابه: كيف نتعامل مع القرآن، ص53-54، يقول:

“قد تكون مشكلتنا اليوم في التعامل مع القرآن كالعاصي من البشر الذي يسمع آيات تدعو إلى التوبة فلا يدرك أبعاد معصيته وضرورة الالتفات إلى التوبة المودعة في الآيات، وإنما يلتفت إلى موسيقى القراءة ونغم التالي، فيقول: “الله.. الله” للنغمة التي يسمعها، فلا يتدبر ولا يفكر قط في أن يصنع شيئا للانتقال من معصيته إلى التوبة المطلوبة منه، هكذا حال أمتنا.. سمعت مرة في أحد المساجد وصفا كاد شعر رأسي يقف من هول القيامة، وإذا واحد من الرعاع، ما خطر بباله شيء من هذا الوصف، ويصرخ: الله يا سيدنا الشيخ، أعد! لقد أصبح هذا التعامل مع القرآن -للأسف- هو المناخ الثقافي السائد الذي نورثه لأجيالنا.”

الشيخ يوسف القرضاوي، في كتابه: كيف نتعامل مع القرآن العظيم، ص182، يقول:

“من لوازم التدبر: أن يتجاوب القارئ مع القرآن الذي يتلوه، ويتفاعل بعقله وقلبه مع التلاوة، بأن يكون في حالة حضور ويقظة واستجابة، لا حالة غيبة وغفلة وإعراض. وصفة ذلك: أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك. فإن كان مما قَصَّرَ عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو آية عذاب أشفق وتعوذ، أو آية تنزيه نزه وعظم، أو آية دعاء تضرع وطلب.”

والحمد لله رب العالمين

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
13°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
19°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M