المقالة المحدثة: تفويض معنى صفات الله ورأي الإمام الذهبي فيها
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
عُرف الإمام الحافظ الذهبي بإنصافه في نقده للحفاظ والعلماء، وألف في ذلك كتابه العظيم: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، وكذلك عرف بإنصافه في المذاهب العقدية والمقالات الإسلامية مع التزامه مذهب الصحابة والسلف الصالح، كما أنه لم يكثر رحمه الله من الخوض في الردود على المخالف والغلو في ذلك، فإنما كان يكتفي بإشارة لطيفة تدل على حكمته ووسطيته مع المخالف لعله يرجع عن خطئه، فحري بطالب العلم وعموم المسلمين أن يجعلوا الإمام الذهبي مرجعا للاستفادة منه ومن درره.
ومن النماذج التي تشهد لاعتدال الإمام الذهبي وإنصافه وتحريه لمذهب السلف الصالح هذه الكلمة الطيبة أسفله، والتي لخص الذهبي خطأ ما جرى عليه بعض المتأخرين بذكر كلام واضح يطمئن إليه القلب ويسلس له العقل.
والمراد بمصطلح “المتأخرين” هم العلماء الذين كانوا ما بين الرابع والخامس الهجري الى ما بعده، ويعد الإمام البيهقي رحمه الله (ت: 458هـ) هو ملتقى نهاية مرحلة المتقدمين وبداية مرحلة المتأخرين.
والخطأ الذي يحرص عليه الإمام الذهبي لبيانه في هذه الكلمة هو فساد المقالة المحدثة التي تقول ظاهر صفات الله غير مراد، كما يبين رحمه الله معنى عبارة العلماء المتقدمين في صفات الله: أمروها كما جاءت، وتفسيرها قراءتها، فأشار أن معنى تلك العبارة هي ما دل عليه الخطاب، فهي بينة واضحة في اللغة.
فإليكم هذه الكلمة الطيبة
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
“المتأخرون، من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها؛
قالوا هذه الصفات ـ أي صفات الله سبحانه ـ ، تمر كما جاءت ولا تؤول، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد.
فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها. يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف.
وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته.
الثاني: أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد؛ فإن الله تعالى فرد صمد، ليس له نظير، وإن تعددت صفاته فإنها حق، ولكن ما لها مثل ولا نظير؛
فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا !؟ ومن ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف يُسمع كلامه !؟
والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا،
وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها بارئها، وكيف يرسلها،
وكيف تستقل بعد الموت، وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله،
وكيف حياة النبيين الآن،
وكيف شاهد النبي صلى الله عليه وسلم أخاه موسى يصلي في قبره قائما ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته،
وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجه آدم بالقدر السابق، وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه،
وكذلك نعجز عن وصف هيأتنا في الجنة ووصف الحور العين،
فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني،
فالله أعلى وأعظم وله المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مثل له أصلا
{آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}”. انتهى من كتاب العلو للعلي الغفار (ص: 251)
قلت: {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}.