المكتبة المغاربية تزدان بكتاب جديد.. وهذا ما جاء فيه عن العرب والأمازيغ وفرنسا!

29 سبتمبر 2023 18:25
الدكتور مختار الغوث، الصراع اللغوي، الفرنسية، العربية، الأمازيغية

هوية بريس – علي حنين

صدر عن دار صوفيا بالرياض والكويت كتاب جديد للدكتور والأكاديمي الموريتاني المقيم في السعودية مختار الغوث بعنوان “الصراع اللغوي في المغرب العربي”، وهو الكتاب السابع من سلسلة “الحرب الباردة على الكينونة العربية”، ويقع في جزأين (1024 صفحة).



وقد درس فيه الدكتور الغوث الصراع اللغوي في المغرب العربي بين العربية والفرنسية، والعربية الفصحى والعامية، والعربية والأمازيغية، وبَيَّن مجالات الصراع، ووجوهه، وأسبابه، ومقاصده، ودرس معه قضايا، ليست بلغوية، رأى أنها تُجلِّي حقيقته، وتبين أنه صراع هويات ووجود، يُسمَّى بغير اسمه، ومن غير الممكن أن تتضح ماهيته دون الحديث عنها.

وجعل الدكتور الغوث الكتاب في بابين: الصراع بين العربية والفرنسية، والفصحى والعامية، والصراع بين العربية والأمازيغية.

وصدَّر الدكتور الغوث الباب الأول بتمهيد، بينت فيه أوجه التوافق والتخالف بين دول المغرب العربي في سياستها اللغوية، ثم دلف منه إلى تأثر السياسة اللغوية بتوجه السياسيين الفكري، وعلاقتهم بفرنسا، ثم درس الصراع بين العربية والفرنسية في التعليم، والإدارة، والإعلام، والحياة العامة، وختمه بالصراع بين العربية الفصحى والعامية، وما يختلف فيه عن الصراع بينهما قديما، في الوطن العربي.

أما الباب الثاني، واستحوذ على جل الكتاب، فخصصه الغوث للحديث عن الصراع المفتعل بين العربية والأمازيغية، وهو -في حقيقته- وجه من وجوه الصراع بين العربية والفرنسية، إذ كان غرضه إخراج العربية من المغرب بالأمازيغية، ثم إخراج الأمازيغية بالفرنسية، إذ كانت الأمازيغية أضعف من أن تثبت للفرنسية، أو تسدَّ مسدَّ العربية، وهذا هو غرض افتعال الصراع بين الفصحى والعامية.

من أجل ذلك يقول الدكتور الغوث ” شرعتْ فرنسا مذ دخلت الجزائر في تعليم الأمازيغية والتعليم بها، والإغراء بتعلمها بالرواتب والعلاوات الجزيلة، وقرنت ذلك باستبدال الأعراف البربرية بالشرع؛ لتُباعِد بين البربر والإسلام، وفعلت مثل ذلك أو أشد منه في المغرب، فعزلت البربر عن العرب كما عزلت بريطانية جنوبي السودان عن شماليه؛ لتحول بينهم وبين الإسلام والتعرب. وخصتهم بمدارس، لا يدخلها غيرهم، لغتها الفرنسية، تيسيرا لاستلحاقهم، واستعانت على ما تريد بالمنصرين؛ ليغيروا هويتهم، ويقربوهم من فرنسا”.

وعملت فرنسا يضيف الغوث ” على تأسيس حزب بربري في بلاد القبائل بالجزائر، لتضعف به حزب الشعب الجزائري الذي كان يجاهدها، فرفع شعارات، تذم العروبة، والوطنية المبنية عليها وعلى الإسلام. ولما كانت فرنسة تخطط لاستلحاق البربر، وضم الجزائر إليها جزءا لا يتجزأ منها، كانت ترى أن ذلك لا يتأتى إلا بأن يكون للبربر مع الأوربيين أصل مشترك، يسوِّغ فرْنستهم، وييسر إخراجهم من الإسلام؛ فأشاعت أنهم جرمان، وأن تدينهم ظاهري، ويجب أن يعودوا إلى دينهم وثقافتهم قبل الإسلام، ويتميَّزوا من العرب المسلمين. ولما كانت العربية هي اللغة التي تجمع الجزائريين كلهم، وبها يتعلمون ويعلِّمون، ويتعبدون، ويديرون أعمالهم؛ عادتها فرنسا، ورأت أن تخرجها من الحياة بكل وسيلة، فأعلنت أنها لغة أجنبية في الجزائر”.

واختلقت فرنسا يردف الدكتور الغوث “ “البربر” بالمفهوم العرقي، بأنْ ضمت القبائل التي كانت تسكن المغرب قبل الإسلام بعضها إلى بعض، فجعلتها عرقا واحدا، يقابل العرب، بعد أن عبر الفريقان نحوا من ثلاثة عشر قرنا، وهم شعب واحد، دينه الإسلام، ولسانه العربية، وإسلامه هو الهوية التي يتعرَّف بها، ولا يفكر في غيرها، ولا ينتمي إليه”.

ولتجلية هذه القضية، وبيان علاقتها بالصراع بين العربية والأمازيغية توقف الدكتور الغوث ” عند نشأة الحركة الأمازيغية في المغرب والجزائر وتطورها، وكيف بذرت فرنسة بذرتها الأولى، ثم تعاهدتها قبل الاستقلال وبعده حتى أنشأت منها حركتين في البلدين، وأنشأت لها الأكاديميات والمعاهد والمراكز التي تربُّها، وتلقِّنها ما تبغي استنباته فيها من أفكار، حتى استمكنت توجها عنصريا، يجدُّ في محو الإسلام والعروبة من المغرب العربي، والتعفية على آثارهما، واستبدال التاريخ البربري الوثني بهما، واستبدال الأمازيغية بالعربية”.

كما عرض مؤلف الكتاب ” للأكاديمية البربرية، وإنشائها، وما أرادت فرنسة من أن تكون مركز التخطيط لسياستها اللغوية في المغرب العربي”.

ووازن الغوث ” بين الحركتين، من حيث النشأة والتطور، والمنهاج”، وبين ” ما تريان من أن البربرية هي هوية المغرب العربي، وهي التي كيفت روحه وفكره وصاغتهما، وما تطالب به من جعل البربرية لغة رسمية، وإيجاب تعلمها على المغاربة والجزائريين كافة، وهو ما استجاب له دستورا البلدين؛ لأنها تخطط لحمْل البلدين على الهوية البربرية، كما تفهمها، وردِّهم عن التعرب إلى ما كان عليه البربر قبل الإسلام”.

وناقش ” ما ورد في نتاجهما المنشور من ذلك”، وبين ” ضعفه وضعف ما يبنى عليه، وأن الثقافة الأمازيغية جزء من ثقافة المغرب العربي وليست هويته، إذ اللغة إنما تكون هوية بما توعي من الثقافة، والثقافة التي توعيها العربية والأمازيغية واحدة، هي الثقافة الإسلامية”.

وعرض المؤلف ” رأي الحركتين في اللغة الأمازيغية، وما تنسبان إليها من مزايا”، وبين أنها إنما تعد ” لغة من اللغات، ما كُتب بها علم ولا أدب، ولا اصطنعت لغة رسمية قبل عام 2011 في المغرب، و 2016 في الجزائر، وإنما كان البربر يستعملون لغات الدول التي تحكمهم، ويكتب بها مثقفوهم. وما كانت لهم في التاريخ لغة، تسمى الأمازيغية، تفرعت منها اللغات التي يتكلمون بها اليوم، وما زالت -كما كانت- لغات محلية، شديدة التفتت والتجزؤ، والفرع منها ينقسم إلى لغات، يَختلف في عددها الباحثون، وهي بقدر القبائل، وليس بينها من التشابه إلا ما يكون بين اللغات، تجمعها فصيلة، والفروق بينها كبيرة، ولا يتفاهم المتكلمون بها إلا بالعربية”.

من أجل ذلك يضيف الدكتور الغوث ” ارتأت الحركتان في المغرب والجزائر أن تصنع كل منهما لغة لبربرها من لغاتهم، تضاهئ بها اللغة الفصحى، لتجمعهم عليها، وتطالبا حكومتي البلدين بجعلهما رسميتين؛ ثم نزعتْ الحركة الجزائرية عما كانت تزمع، لمَّا تبين لها أن التفكير في صنع اللغات تفكير خرافي، ولن يترتب عليه -إن كان – إلا قتل اللغات الطبيعية؛ فانصرفتْ عنه إلى الاقتصار على لغة القبائل وحدها، وتمادت الحركة المغربية في صنع لغة من لغات بربر المغرب الثلاث (الريفية، والصنهاجية، والشلحية)، غير عابئة بعذل العاذلين”.

وعرض المؤلف في كتابه ” لتيفيناغ” وأوجز ما قالت فيها الحركة، وبين ” أنها هجاء فينيقي عربي، وهو مرقوم اليوم على صخور ظفار بعمان وصحاريها كما هو عند التوارق، وإنما اصطنعه بعض توارق الصحراء، ولم يصطنعه غيرهم، ولا كتب به شيء من تراث المغاربة، وأن ليس للبربر هجاء غير الحرف العربي، فهو الذي كُتب به ما كتب من تراثهم”.

وبين المؤلف في الكتاب المذكور فضل الحرف العربي على تيفيناق والحرف اللاتيني، وصلاحيته لكتابة الأمازيغية، وسبب إصرار الحركة على اصطناع تيفيناق، مع أن غيرها خير للغتها وللمغرب كله.

وبين الغوث ” رأي الحركة في التعريب، وما ترى من أنه جريمة، وإبادة ثقافية، غايته تعريب البربر، مع أن التعريب كانت له غاية واحدة، هي إعادة العربية إلى ما كانت عليه قبل الاستعمار الفرنسي”.

كما بين الدكتور الغوث ” ما في خطاب الحركة من حرص على مفاصلة مواطنيها في كل ما يجمعها وإياهم، كالدين، واللغة، والتاريخ، والهجاء، والأعياد والمناسبات، والرغبة عن ملاقاتهم على كلمة سواء، ينال فيها كل حقه، كما تفعل شعوب العالم، على ما قد يكون بينها من تخالف في الملل والنحل”. وتحدث ” عن نظرتها إلى العرب والتاريخ الإسلامي وما فيها من تحامل، وأن ما تقول فيهما ليس إلا تردادا لما كتب الفرنسيون بحرفه”.

ثم تطرق المؤلف في كتابه لعروبة البربر، حيث ناقش قضية نسبتهم إلى الكنعانيين والحميريين، وهجْرتهم إلى المغرب من فلسطين واليمن، وأدلتها التاريخية والأثرية والإناسية واللغوية، وبين ” أنها ليست حكايات، صنعها مؤرخو العرب الأولون، فرددها الخالفون، وإنما هي خلاصة ما انتهت إليه دراسات علمية كثيرة معمقة، قامت بها فئة كبيرة من الباحثين المخصين في التاريخ واللغة، من العرب والبربر والأوربيين والفرنسيين، لا يُزَنُّ بعضها بالتعصب للعرب، ولا بالحرص على وحدة أهل المغرب”.

وبخصوص الخوض في هذا الموضوع الذي يكثر حوله الجدل، قال الغوث ” إنما عرضت لهذا الموضوع لأن الاستعمار لما أراد شقَّ أهل المغرب والجزائر، ارتجل للبربر نسبا جرمانيا، يتوسل به إلى إخراجهم من الإسلام، كما أشار عليه بذلك المنصر الفرنسي الشهير شارل دو فيكو: “قولوا للبربر إنهم غير عرب، يرتدوا عن الإسلام”، فأردتُ لأبين قوة الأدلة على عروبة البربر، وأعيد إليها من الاعتبار العلمي ما أراد الاستعمار الفرنسي أن يسلبها”.

وختم الدكتور مختار الغوث كتابه القيم بخاتمة، بين فيها تناقض فرنسة إذ تحرِّم التعدد اللغوي في بلادها وهي أشتات من الشعوب، لها من اللغات ما هو آصل وأعرق من الفرنسية، وتجتهد في تقسيم ما تستعمر من البلدان، وتشتيت شمل شعوبها، وزرع العداوات بينها، ونبش ما رمَّ من لغاتها في القبور، وتعديد ما اتحد، وجمع ما افترق، لتوقد به نار العداوة بينها، بقدر جدِّها في توحيد شعبها على لغة واحدة، وكان ينبغي أن تقتدي بها في ذلك مستعمراتها، بدلا من إلقائها المَقَادَة إليها، لتُفتتها، وتصوغ العلاقات بينها كيف تشاء.

وللدكتور مختار الغوث عدد كبير من الكتب والبحوث، منها “لغة قريش”، و” الوجيز فى العروض والقافية”، و” الحقيقة والخيال في الغزل العذري والغزل الصريح”، و “هل كان للجاهلية نقد أدبى؟”، و ” على الأطلال: دراسة في البناء واللغة”، و”النقد الأدبي في صدر الإسلام والعصر الأموى دراسة نقدية للأخبار “، و” ابن قتيبة ومنتقدوه”، و “الحركة الإسلامية في تركية”، و”العقل أولا” و”بناء الفكر” و “قضايا النقد العربي القديم”.

وللدكتور الغوث مقالات كثيرة، وبحوث في الأدب والنقد واللغة والفكر والسياسة، منشورة في صحف ومجلات إلكترونية شتى.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M