تعديلات “مدونة الأسرة”.. الصمدي يكتب: تجارب مرة في التشريع
هوية بريس – د.خالد الصمدي
كلنا مطمئنون إلى التعهدات المؤطرة لمراجعة مدونة الأسرة، إلى حدود مرور النص بالمجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك، فلن تتضمن بحال ما يحل الحرام أو يحرم الحلال، وستقدم اجتهادات فيما يحق أن يكون فيه الاجتهاد،
لكن المغاربة سيضعون أيديهم على قلوبهم حينما سيحال المشروع على البرلمان بغرفتيه، ليس بسبب عدم إيمانهم بأدوار هذه المؤسسة في ترسيخ التعددية وتدبير الاختلاف ولكونها فضاء للتداول الحر والنزيه لكل ما يحال عليها من مشاريع قوانين بغية تجويدها ثم التصويت عليها بما يعكس إرادة الأمة في تشريعات تلبي حاجتها وتسجيب لطموحاتها، أو بسبب عدم وجود نخب في مستوى تحمل المهمة التشريعية والقانونية بوعي ومسؤولية،
وإنما يعود ذلك إلى أنهم يعلمون أنه قد وصلت إلى هذه المؤسسة التشريعية بسبب تصويت غير مسؤول وغير محسوب العواقب، بعض العاهات المستدامة التي تعاني من منسوب عال من الأمية الأساسية الأبجدية، والجهل المطبق بخطورة الأدوار التشريعية لهذه المؤسسة،
لا يعيرون اهتماما لتأطير التشريع بمقتضيات الدستور، ولا يشعرون بخطورة الجهل الشرعي والعلمي والقانوني الموقع في المس بهوية المغاربة ومنظومة قيمهم الجامعة وهم يقومون بمهمة التشريع، همهم الوحيد هو إثارة الزوابع طلبا للبوز، مع نشر التدخلات على المباشر، في خرق سافر للقانون الداخلي للمجلس أو استغلال الجلسات العامة لإثارة الزوابع،
وكل ذلك من شأنه أن يؤلب الرأي العام ويخرج هذا النص التشريعي الهام من التداول التشريعي المسؤول إلى البوليميك الذي يعطل التشريع عوض إغنائه والرفع من جودته،
وشعورا منه بخطورة هذه الظاهرة في المؤسسة التشريعية نبه جلالة الملك في رسالته إلى البرلمان بمناسبة مرور الذكرى 60 لتأسيسه إلى ضرورة توفر مجلس النواب بغرفتيه على مدونة للأخلاقيات تحفظ لهذه المؤسسة هيبتها وحرمتها، كما سبق أن أمر بتوفير الموارد المالية اللازمة التي تمكن الفرق البرلمانية من التوفر على خبراء مختصين في القضايا المعروضة على اختصاصات المجلس لإعداد دراسات بشأنها، وتمكين النواب منها للاشتغال في ضوئها، إيمانا من جلالته بحاجة المغاربة إلى نصوص تشريعية جيدة تحترم هويتهم الجامعة وتنظم شؤون حياتهم وترقى بها إلى ما هو أفضل،
نقول هذا من خلال تجارب مرة سابقة عشناها تحت قبة البرلمان حولت النص المحال إليه من المجلس الوزاري من لباس أنيق متناسق الألوان إلى جبة مرقعة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة بسبب سياسة المزايدات والتوافقات على حساب جودة النص وفعاليته، فكان ذاك سببا في تعطيل مجموعة من الأوراش التي بنيت عليها آمال عريضة بسبب صدور نص تشريعي في الجريدة الرسمية تنتج عنه صعوبات جمة أمام المشتغلين بالتنزيل في المؤسسات التنفيذية، وهو ما عانت منه المدونة الحالية المصادق عليها سنة 2004، مما عرضها مجددا للتعديل بعد مرور 20 سنة على العمل بها،
فهل ستكون المؤسسة التشريعية في مستوى اللحظة فتقطع الطريق أمام هذه الكائنات، أم ستسقط في مطب المزايدات وتعيد ملف مراجعة المدونة إلى نقطة الصفر بإفراغه من محتواه، بعد ما بذل فيه المغاربة عبر مؤسساتهم العلمية والفكرية والدستورية جهودا كبيرة طيلة ما يقرب من السنة حتى تخرج للناس مدونة تليق بالأسرة المغربية ترفع تحدياتها وتستجيب لحاجاتها هوية وتنمية؟