تنبيه الأنام إلى العلاقة بين القيم والأحكام
هوية بريس – د.خالد الصمدي
في سياق التفاعل الموزون مع آراء الدكتور امحمد جبرون في اللقاء الإعلامي المعلوم، وذلك بمنهج واضح يعلي من مناقشة الأفكار دون الدخول في قراءة النوايا وتجريح الأشخاص.
وضحت التمييز بين الفتاوى والأحكام كما وضحت الفرق بين فقه التنزيل وفقه التعطيل.
اقرأ: رسالة مفتوحة إلى الدكتور محمد جبرون
وقد سعدت ببعض التعليقات العلمية التي كانت غاية في اللطافة والرقي العلمي والفكري والأدبي.
وحيث إن الدكتور حفظه الله اعتبر في البرنامج أن غاية التشريع هي منظومة القيم وأسماها في نظام الإرث في الاسلام هو العدل والإنصاف، “وأن الأحكام إذا عارضت هذه القيم فينبغي مراجعتها حتى ولو وردت فيها نصوص قطعية الورود والدلالة، وأن مثل هذا المسلك لا يتعارض وروح الشريعة وإنما يسير بها إلى الأمام، ولا يعيدها إلى الوراء”.
وحتى لا يكون الاشتغال بموضوع القيم مدخلا لتجاوز وتعطيل نصوص شرعية قطعية الورود والدلالة، أقول وبالله التوفيق:
إن منظومة القيم في القرآن الكريم من الثوابت التي لا تتغير ولا تتخلف وهي معقولة المعنى ثابتة المبنى ولا تقبل النسخ في القرآن الكريم بحال، “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم“.
ومنها قيم الحق والعدل والرحمة والعفو والحمد والصبر والحق والاحسان وغيرها (26 قيمة حسب ما انتهىنا إليه في فريق البحث الذي يشتغل بمشروع موسوعة منظومة القيم الكونية في القرآن الكريم منذ خمس سنوات ونسأل الله القوة والمدد لإخراج هذا العمل الى حيز الوجود في أقرب وقت ممكن).
ومن الخلاصات التي انتهينا إليها أن الأحكام الشرعية التي أنزلها الله تعالى في كتابه الحكيم وبلغها الرسول الكريم، ومنها أحكام العقائد والعبادات وأحكام نظام الأسرة بما فيها أحكام الإرث التي وردت فيها نصوص قطعية الدلالة وغيرها من الأحكام هي صمام أمان القيم وسياجها الحصين.
والمسلك القويم للترقي في سلمها، وهي في نفس الآن مؤشرات لتقويمها في سلوك الانسان ومعيار قبول أعماله الصالحة عند لقاء ربه الرحمن،
فقد فرض الله تعالى أحكام الصلاة لترسيخ قيم الايمان التي تتجلى في الشعور بالمراقبة والتواضع، والخشوع، ثم قال “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون“.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لم تنته صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا“.
وأمر بالحج لترسيخ قيم الصبر والتعاون والمحبة وقال “فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج“، وفرض الصوم لترسيخ قيم الحق والصبر والحق وقال صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه“.
وأمر بالزكاة لترسيخ قيم التكافل والتضامن ثم قال “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم” والتزكية أسمى مراتب القيم.
وشرع أحكام الأسرة لترسيخ قيم المودة والسكينة والرحمة ، فقال “وجعل بينكم مودة ورحمة ورزقكم من الطيبات“.
وهكذا نجد في القرآن الكريم تلازما بين القيم والأحكام وجودا وعدما، لأنهما يصدران من مشكاة واحدة، لذاك كانا وجهين لعملة واحدة، وهذه العملة هي الدين كله “دينا قيما“.
وعليه فلا يتصور إطلاقا أن يكون بينهما تعارض أو تناقض يوهم بثبات القيم وإمكانية تغير الأحكام، بتغير الأحوال.
وحيث إن هذا الافتراض منعدم كما وضحنا ذلك بالنماذج والأمثلة، فقد سقط به الاستدلال في كل دعوة إلى إمكانية تغيير بعض الأحكام القطعية بعلة تعارضها مع القيم في الذكر الحكيم.
فالمقاصد غايات سامية عالية والأحكام الشرعية التي فرضها الحكيم العليم سلم الارتقاء إليها، وإذا كسر السلم هدمت القيم.