نقاش “مدونة الأسرة”.. الصمدي: رسالة مفتوحة إلى الدكتور محمد جبرون

هوية بريس – د.خالد الصمدي

لو أثير الموضوع في فضاء محدود (مقال – محاضرة) لكاتبت الباحث الدكتور امحمد حبرون على الخاص، لكن الأمر يتعلق بحلقة حوارية على اليوتوب أجراها مع موقع إعلامي محترم، وتابعها عدد كبير من الناس، فخلقت لديهم كما خلقت لدي بعض الالتباس، فقررت أن يكون النقاش في رسالة مفتوحة حتى. نعم الفائدة، مع كل المودة والتقدير.

فقد تابعت بشغف كبير كما عدد كبير من المتابعين حوار الصديق العزيز الأستاذ المؤرخ الدكتور امحمد جبرون مع موقع “لكم” حول قضايا الساعة ومنها تعديل مدونة الأسرة، فكان الرجل كعادته في حواراته هادئا مقنعا وطموحا في اقتراح الأفكار المجددة، في أغلب محاور الحوار.

لكنني تمنيت لو لم يدخل إلى حلبة الاجتهاد في بعض تفاصيل مدونة الأسرة التي تتطلب أدوات ومنهجية خاصة، ومنها قضايا النصوص القطعية في نظام الإرث.

تمنيت لو اكتفى بإبراز أهمية الاجتهاد في موضعه ودعوة الإسلام إلى ذلك، وبإحالة الأمر إلى أهله من المجتهدين الذين يحددون عبر مؤسساتهم الدستورية وبقواعد العلم الشرعي ما يمكن أن يكون فيه الاجتهاد، وما لا يمكن، ويستعملون في هذا الاجتهاد الممكن قواعده وأدواته الدقيقة، في فهم النص وتنزيله، كما عرفوا بذلك عبر التاريخ،

لكنه أوقع نفسه في حرج وضيق شديدين كما أوقع المتابعين الحوار في سوء فهم، حينما دخل إلى حلبة الاجتهاد في نصوص الإرث فقال في ما يشبه الجزم والاقتناع: “إذا ظهر أن هناك حيف ما في أنصبة معينة من أنصبة الإرث مع مرور الزمن فما المانع من أن تراجع هذه الأنصبة حتى ولو كانت فيها نصوص قطعية”، فـ”في الإسلام سعة وأن قصد العدل والإنصاف هو الغاية المثلى للتشريع”.

فهل يتصور عقلا أن يظهر في توزيع الله تعالى لأنصبة الإرث بنصوص قطعية الدلالة حيف يبدو للإنسان مع مرور الوقت فيستدرك على الله تعالى بالمراجعة؟

وهل سيكون اجتهاد الإنسان -لو سلمنا بذلك- أكثر تحقيقا للعدل والإنصاف من توزيع الله العادل؟

وهل النصوص القرآنية القطعية الورود والدلالة تبلى مع مرور الزمن؟

لو اكتفى الدكتور بإحالة الاجتهاد في الموضوع الى أهل الاختصاص ومؤسساته، لكان منصفا ولتجنب الحرج في القول في موضوع لا يقال فيه برأي لأنه من حدود الله، الذي قال فيه بعد توزيع أنصبة الإرث “تلك حدود الله فلا تعتدوها“.

لكنه لحسن الحظ انتبه بعد ذلك فاستدرك بالقول بأنه لا يملك معطيات كافية للحكم في الموضوع، ونبه إلى ضرورة النظر للموضوع وفق نسقية المنظومة الإرثية والأسرية برمتها لتكاملها وترابطها، حتى لا يتم إصلاح بعض الجوانب مقابل الإضرار بأخرى، فكان هذا هو عين الصواب لو اكتفى في الموضوع بهذا الجواب.

أتمنى أن يراجع الدكتور امحمد هذا الرأي بتوضيح، يستدرك فيه ما حقه الاستدراك، تفاديا لكل ما يمكن أن يقع فيه المتابع للحلقة من سوء فهم أو ارتباك، فالدكتور كما أعرفه لا تعوزه القدرة على التوضيح والمراجعة، حين يتطلب الأمر ذلك.

وله مني أزكى السلام.