توفيق بوعشرين يكتب: هل وصل نزاع الصحراء إلى محطته الأخيرة؟

13 أكتوبر 2024 20:48

هوية بريس – توفيق بوعشرين (*)

خصص الخطاب الملكي التوجيهي بمناسبة افتتاح أشغال البرلمان بغرفتيه موضوعه هذا العام لقضية الصحراء وتطوراتها، والتحديات التي ما زالت تعيق الحسم في هذه القضية الشائكة التي وضعها بومدين كحجرة في حذاء المغرب، وما زالت تُدمي قدم البلاد والعباد حتى الآن، رغم مرور أكثر من خمسين سنة على المسيرة الخضراء التي كانت ثمرة عبقرية الحسن الثاني.



إن تخصيص الخطاب الملكي بأكمله لقضية الصحراء دون غيرها من الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية يدل على أن الأجندة الملكية تضع هدفًا استراتيجيًا لها في هذه المرحلة، وهو محاولة حسم هذا الملف وعدم تركه مفتوحًا للأجيال القادمة، خاصة بعد التقدم الدبلوماسي الكبير الحاصل في إدارة النزاع، والذي تحول من سؤال تقرير المصير إلى سؤال الحكم الذاتي، أي من الحل القانوني الكلاسيكي إلى الحل السياسي الذي يفتح طرقًا لإيجاد الحلول في إطار توافقي.

وهذا يأتي بالتزامن مع الدينامية التي أحدثها قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، والموقف الفرنسي الجديد، وعموم المواقف الأوروبية التي تجعل المراقب يعتقد أن حسم الملف لم يعد فرضية بعيدة، بل إمكانية جدية.

تاريخ النزاعات الدولية بين الدول على الحدود أو بين الدولة والحركات الانفصالية يخبرنا أن حلها يتخذ أشكالاً عدة، أهمها:

أولاً: الحسم العسكري، حيث يسلم المهزوم للمنتصر بمطالبه ويوقع معه اتفاقًا يعكس نتيجة موازين القوة على الأرض، كما حدث مثلاً مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

ثانيًا: التوافق على حل وسط لا غالب فيه ولا مغلوب، إما بتقاسم خيرات المناطق المتنازع عليها أو بإعطاء الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا يستجيب للمطالب الهوياتية والثقافية والاقتصادية. حصل هذا في إسبانيا، حيث جرى احتواء مطالب عدة قوميات في دولة الجهوية الموسعة، وأيضًا في إقليم تيغراي في إثيوبيا.

ثالثًا: تآكل النزاع ومسبباته مع الزمن ومع تغير النخب على جانبي الصراع، حيث يولد جيل جديد لا يحمل نفس النظرة إلى النزاع. في منطقة البلقان، على سبيل المثال، كانت هناك صراعات بين الدول بعد تفكك يوغوسلافيا في التسعينيات. ومع مرور الزمن، تمكنت دول مثل صربيا وكرواتيا من تحسين علاقاتهما، على الرغم من عدم حل كل النزاعات التاريخية.

رابعًا: تدخل القوى الكبرى عبر الأمم المتحدة أو خارجها لفرض حل سياسي أو قانوني أو عسكري على طرفي النزاع. كما وقع في كوسوفو، حيث تدخل الحلف الأطلسي بالقوة وفرض حلاً على الأطراف وأنهى الحرب الأهلية.

خامسًا: احتكام طرفي النزاع إلى تحكيم قانوني إما لدى محكمة العدل الدولية أو لدى هيئة أخرى للتحكيم والوساطة، بشرط قبول الطرفين للحل الذي تقترحه المحكمة أو هيئة التحكيم. وقد جرى اعتماد هذا الحل في أكثر من نزاع حدودي في الخليج العربي وفي أوروبا.

سادسًا: هناك صراعات انتهت بحلول اقتصادية وتنموية في مناطق النزاع، حيث نشأت مصالح اقتصادية قوية بين طرفي النزاع ساعدت على إيجاد الحل، أو على الأقل تجميد الصراع والتحول من حله إلى إدارته. المثال الأقرب لهذه الحالة هو النزاع المعقد بين الهند وباكستان، حيث شهدت علاقاتهما الكثير من التوترات والنزاعات على الحدود، ولكن التحسن في الروابط الاقتصادية أدى إلى تقليل حدة النزاعات على المدى الطويل، واعتبر رجال الأعمال والشركات على الطرفين مفتاح السلام بين الأخوة الأعداء، على الأقل حتى الآن.

على ضوء كل هذه التجارب الدولية في حل النزاع، إلى أين يتجه النزاع حول الصحراء المغربية بين المغرب من جهة والجزائر والبوليساريو من جهة أخرى؟
الجواب في الجزء الثاني من هذا المقال…

(*) صحافي مغربي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M