جناية “لشكر”.. بين مسكين وبنكيران

جناية “لشكر”.. بين مسكين وبنكيران
هوية بريس – متابعات
من خلال مقال له أبدى الصحفي يونس مسكين رأيه حول قضية اعتقال ابتسام لشكر، التي توبعت قضائيا بعد نشر صورة مسيئة للذات الإلهية أثارت استياء عارما خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبر مسكين أن الواقعة تكشف قصورا في تدبير النقاش العمومي، وميلا لدى بعض الفاعلين إلى جرّ الموضوع إلى حقل الدين، في حين أن القضية في جوهرها تتعلق بتأطير قانوني وقضائي لفعل النشر عبر وسائل إلكترونية.
مسكين اعتبر أن إدخال البعد الديني في الموضوع قد يفضي إلى نتائج خطيرة، باعتبار أن الفقهاء والعلماء لا يخرجون عادة عن توصيف هذه الأفعال في خانة الردة، وهو ما تحيل إليه فتوى رسمية سابقة للمجلس العلمي الأعلى.
الصحفي رأى أن النقاش ينبغي أن يظل قانونيا وحقوقيا، مرتبطا بمدى مشروعية تجريم مثل هذه الأفعال، وشروط ذلك التجريم وضماناته، مستندا إلى المرجعيات الدولية التي لا تقرّ عقوبات سالبة للحرية في قضايا التعبير المرتبطة بالدين، وأن أقصى ما وصل إليه الأمر في تجارب مقارنة هو التغريم المالي أو التعويض المدني.
وفي تفاعله مع ما ورد في المقال، أوضح الدكتور رشيد بنكيران أن مقال مسكين قرَّر مغالطة لا تقل جرما عن السب نفسه لخصها بقوله “الله لا يحتاج منا إلى أن ندافع عنه”.
وشدد بنكيران على أن كلام مسكين يعكس نزعة واضحة إلى علمنة النقاش وإخراج الدين من دائرة الحماية القانونية والاجتماعية، عبر حصر القضية في القانون الدولي، وتهميش المرجعية الدستورية والدينية للمغرب، وتبرير السلوك المستفز بحق الله، والتقليل من أثره الاجتماعي والأخلاقي.
وأوضح الباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة أن القراءة المنهجية والقانونية السليمة تفضي إلى أن سب الله ليس حرية تعبير، بل هو جريمة تمس النظام العام والوجدان الجماعي. وأن حماية المقدسات الدينية واجبة قانونا وأخلاقا، لا دفاعا عن الله تعالى -فهو الغني عن العالمين- وإنما صونا للمجتمع من التفسخ والفتنة.
وحول الاستناد إلى︎ المرجعيات الدولية وجه بنكيران إلى أن هذه المرجعيات ذاتها لا تمنع الدول من سن قوانين تجرم الإساءة للمقدسات، بل تمنحها هامش تقدير واسع ما دام الهدف هو حماية السلم العام.
وفي ختام تدخله حول هذا الموضوع ذكر د. رشيد بنكيران بأن الله غني عن العالمين حقا، لكن المجتمع ليس غنيا عن صيانة مقدساته، ولا عن حماية هويته الجماعية من العبث والاستهزاء، ومن الخطأ الكبير أن تفرغ الإساءة لله من أي مساءلة بدعوى حرية التعبير، لأن الحرية لا تكون أبدا على حساب القيم الجامعة والسلم الاجتماعي.
التباين بين مقاربة يونس مسكين ذات البعد القانوني الحقوقي، وتعقيب الدكتور رشيد بنكيران الذي شدّد على المرجعية الدينية والدستورية، يعكس خلافا أعمق حول منطلقات النقاش.
فبينما يرى مسكين أن القوانين الدولية ليست غربية وإنما هي “ملك للإنسانية” وفق تعبيره، فإن الواقع يبيّن أن تلك المرجعيات وُضعت في سياق غربي خاص وتخدم بالأساس الدول الغربية وحلفاءها، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، وغزة اليوم خير شاهد على ازدواجية المعايير في تطبيق ما يُسمى بالقانون الدولي. ومن ثمّ، فإن الحديث عن حقوق الإنسان يفقد معناه إن لم يتحرك المجتمع دفاعا عن الخالق جل وعلا أولا، إذ لا مجال للحديث عن أي حق بعد ذلك.
ومن خلال هذا النقاش يبرز بجلاء أثر التغلغل العلماني في أنماط التفكير لدى بعض الكتّاب وصنّاع المحتوى، حيث باتوا يمرّرون مفاهيم دخيلة تفصل بين الخالق والمخلوق، وبين الوحي والواقع، وهي أطروحات لا تمت بصلة لهويتنا وديننا وقيمنا المغربية الأصيلة.
كما أصبح التركيز المفرط على الحدّ من صلاحيات الدولة والتوسع في حماية الحريات الفردية يحجب الوعي بخطورة التجرؤ على المقدسات والاستهزاء بالذات الإلهية.
نعم، لا بد من ضمان الحقوق والحريات لجميع المواطنين، لكن ينبغي التمييز بوضوح بين حرية المعتقد كخيار شخصي، وبين حرية السبّ أو المساس بحق الله عز وجل، وهو خط فاصل وجوهري لا يجوز القفز عليه.



