حرب الشياطين على عباد الله التائبين
هوية بريس – د.أحمد اللويزة
التوبة إلى الله أمنية غالية لدا كل مؤمن يشتاق إلى لقاء الله، ويتمنى أن لا يخرج من هذه الدنيا إلا وقد غفرت ذنوبه ومسحت خطاياه ورضي عنه ربه.
إن التوبة -وهي الرجوع عن الذنب- خصلة من أهم خصال المتقين كما وصفهم ربهم في القرآن، حيث يذنبون فيتوبون من قريب، ولا يصرون على ما يفعلون من معاصي ومخالفات. وأنهم أهل محبته فهو يحب التوابين ويحب المتطهرين. وأن الله يفرح بهم أشد ما يكون الفرح،كما أنها خصلة خير الناس كما مدح بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلامحين قال إن التوابين خير الخطائين. فهذا مما تعنيه التوبة في أهلها.
أما ما تعنينه التوبة في ما يحدث بعدها فلابد أن أذكر أن التوبة تكون بعد الذنب،والذنب حين يقع فيه المؤمن يقع فيه بعد تدبير من الشياطين، وكيد منهم، وتربص به ووسوسة له، كما فعل بآدم عليه السلام؛ فلم يزل يوسوس له ويوسوس، حتى أوقعه في المعصية، وكذلك يفعل مع بني آدم، وهذا يعني أن الشيطان يبذل جهدا كبيرا أو أكبر بحسب الشخص ليوقعه في المعصية، ثم بعد ذلك ينسج عليه حباله حتى لا يتوب أويعود إلى الله ويقلع عن ذنب ضحى الشيطان كثيرا ليوقعه فيه ويريده أن يكونمداوما عليه، ليكون المذنب أحد ضحايا إبليس المدمنين، وأحد مساجينه الذين يغلق عليهم في سجن المعاصي وزنزانة العصاة، فكل بحسب معاصيه، ففي السجناء بسطاء وعتاة ومدمنون، ونادمون ولا مبالون….
وإن التائب هو بمثابة سجين هارب للشيطان من سجنه، وتعلمون كيف يكون حال المسؤولين عن السجناء حين يهرب لهم أحد المساجين، وكيف يجن جنونهم ويعلنون الاستنفار من أجل أن يعود السجين ويلق عليه القبض في أقرب وقت ممكن، فكيف إذا كان السجين الهارب ليس عاديا ولا بسيطا، بل هو سجين من طينة خاصة يوظفه الشيطان في بعض مهامهويرسله في مزيد من الضحايا وسجناء المعصية. فالوضع مختلف واستنفار الشيطان فوق كل استنفار يوظف فيه كل جنوده من شياطين الإنس والجن. ويوظفون كل الإمكانيات من أجل إرجاع التائب إلى سجن العصاة.
وقد رأينا كيف هاج وماج شياطين الإنس والجن حين أعلنأحد الفنانين توبته، وفرَّ بنفسه من سجن المعصية الذي يغلقه الشيطان بإحكام على مثل هؤلاء، لا شك أن الأمر لن يمر مرورا سلسا على التائب، وأن تعرضه للمحن والشدائد سيكون أشد حتى يرجعه الشيطان إلى حضيرته، فهو تائب غير عاد.
وقد رأينا كيف واجه شياطين الإنس توبته -بل وتوبة كل من كان على شاكلته- بالقدح والتشهير والطعن والسخرية والاستهزاء…، بل ذهب بعضهم إلى حد تكوين عصابات لإعادة نشر أغانيه بدعوى الزيادة في معاصيه. وإن كان ذلك لا يزيد إلا في معاصيهم ويزيد في حسناته، ولكنه الحقد الأعمى والشر المستطير الذي يسكن جنود إبليس من الإنس، والراضون بسجن إبليس.
فإن التوبة بالنسبة لهؤلاء مثل القلق الذي يشوش على مسار حياتهم الذي يقضي بين جدران سجن المعصية. فتوبة الواحد منهم هي بمثابة طعنة يشعر بها مساجين إبليس تولد سخطا على التائب.
إنهم كحال قوم لوط حين قالوا {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}،إن المتطهر من دنس المعصية يؤرق القوم ويفسد عليهم ركونهم إلى لذة المعاصي المتوهمة، وينغص عليهم هيامهم بالموبقات وهم عاجزون عن التحرر من قيود إبليس والفرار بأنفسهم من سجن الفواحش والمنكرات، وقديما قيل (ودت الزانية لو أن كل النساء كلهن زواني). (وإذا عمت هانت)، فأحيانا بل أبدا يكون رد الفعل العنيف والطائش من طرف جنود إبليس وعصابته إنما هو حسد وحقد على توبة تائب وتخلصه من أغلال إبليس، كما قال جل شأنه عن أهل الكتاب {وَدَّكَثِيرٌمِّنْأَهْلِٱلْكِتَٰبِلَوْيَرُدُّونَكُممِّنۢبَعْدِإِيمَٰنِكُمْكُفَّارًاحَسَدًامِّنْعِندِأَنفُسِهِممِّنۢبَعْدِمَاتَبَيَّنَلَهُمُٱلْحَقُّ}.
إن مواجهة التائبين لمعركة شرسة مع إبليس أمام الغواية وزعيم أهل الضلال أمر لا مفر منه، يجدونه محنا، وصعوبات فيالحياة، ومشاكل في الأسر، وتعثرات في العمل والتجارة،كما يجدذلك فيهجوم الوساوس النفسية والفكرية والوجدانية والوجودية، ويجد ذلك في نفور القريب والبعيد وهجوم الوحدة والغربة وهلم جرا.
وإذا علم التائب بحقيقة هذه المعركة؛ معركة إعادة الأسير إلى حضن الإسر؛ أسر المعصية والشهوة والخطيئة فعليه أن يكون في مستوى المعركة وأن يتسلح بالعلم الشرعي والدعاء الصادق والإخلاص لرب العالمين، فإن أصعب الناس على إبليس وبشهادته هم عباد الله المخلصين، قال عز وجل عن إبليس (فبعزتكلأغوينهمأجمعينإلاعبادكمنهمالمخلصين).
فقرار التوبة ليس سهلا، وإن الثبات عليها أشد وأصعب.
فصبرا أيها التائبون فإنما هي ساعة شديدة عسيرة تعبقها سنوات جميلة سعيدة، فاصبروا فإن الله أشد فرحا بتوبتكم ولن يخذلكم ولن يسلمكم لأعدائه من شياطين الإنس والجن.