خالد الصمدي يكتب: المناهج التعليمية من التحيز إلى الإيديولوجيا

02 أكتوبر 2022 21:13

هوية بريس – الدكتور خالد الصمدي

مناقشة علاقة العلوم بالمرجعيات الفلسفية ليس شأنا شعبويا، ولا فرصة لخلق البوليميك وحشد الإعجاب، وليس موضوعا تقال فيه كلمات قليلة تدغدغ العواطف وتخلف العواصف.



ولكنه موضوع يدخل في مجال علمي دقيق هو فلسفة المناهج التعليمية وأسس بنائها وتنفيذها، وهو علم له قواعده وأصوله ومبادئه.

ومن هذه المبادئ: أنه لا يمكن الفصل بين المناهج التعليمية في أي بلد وخياراته الحضارية الدينية واللغوية والثقافية، كما لا يمكن الفصل بين المعرفة العالمة التي يتلقاها المتعلمون بكل أساليب التعلم ومنظومة القيم المستندة إلى تلكم المرجعيات،
هذا من حيث المبدأ.

إلا أن السؤال المطروح باستمرار يظل هو الكيف، والذي تختلف فيه الرؤى والتصورات والممارسات بين مختزل يتحدث بمنطق “أسلمة العلوم” دون اطلاع على فلسفة هذه الرؤية ومنهجها، فيختصرها في البسملة أول الحصة الدراسية، أو كتابة آية كريمة في تصدير مؤلف أو كتاب، أو يحول دروس العلوم التجريبية عن موضوعها ومجالها المباشر إلى درس في التربية الإسلامية بخصوصياتها ومجالها المباشر.

وبين مُخل يفصل العلم عن الروح، ويعتبر أن تدريس العلوم شأن مادي مجرد، فيقمع في ذهن التلاميذ شهوة السؤال عن مصدر الخلق والخالق وحركة الظواهر الفزيائية والبيولوجية والجيولوجية وسننها الكونية، في الوقت الذي يُعتبر تدريس العلوم بالنسبة للتلاميذ فضاء للسؤال بامتياز.

إن سؤال الكيف لا يمكن أن تجيب عنه مادة دراسية واحدة بقدر ما تتكامل فيه علوم الإنسان وعلوم العمران، بين مادة التربية الإسلامية والفلسفة ومواد العلوم التجريبية بمختلف فروعها، والتاريخ والجغرافيا وغيرها من المواد المتنوعة في مضمونها والمتكاملة في غاياتها ووظيفتها، بمنطق المنهاج التعليمي المندمج، وهذا ما يُترجم عمليا في بناء البرامج الدراسية وتأليف الكتب المدرسية باستحضار التقاطعات والامتدادات والجسور بين المواد كي تنسجم مع الفلسفة العامة للمنهاج التعليمي، والتي تنضبط بدورها إلى المرجعيات والخيارات الدستورية لكل بلد وقطر دون انغلاق.

وينبني تنفيذ هذه الرؤية المنهاجية بالأساس على تكوين الموارد البشرية المؤهلة لأداء رسالتها التي تجمع بين المعرفة والقيم، وبناء المناهج التعليمية بهذا المنظور المندمج الذي يحترم خصوصيات المواد الدراسية في المجال المعرفي ويرسخ تقاطعاتها وامتداداتها في مجال القيم.

وهو ما فصلناه في الورقة العلمية التي نشرتها مشكورة الرابطة المحمدية للعلماء، بعنوان:

“التربية على القيم في مناهج التعليم وأثرها في التنمية.. مقاربة معرفية منهجية”

والتي قصدنا منها بناء منظور متوازن يجيب تفصيليا عن سؤال الكيف بمنطق التكامل المعرفي والقيمي، وبما يحترم التحيزات المنطقية المبنية على أسس علمية، ويخلص المناهج التعليمية من شرنقة الإيديولوجيا المبنية على التقاطب الذي لا ينفع الناس ولا يمكث في أرض العلم والبحث العلمي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M