خطبة الجمعة القادمة.. في موضوع “سبيلنا إلى الحياة الطيبة”
هوية بريس – متابعة
تبعا للإعلان الذي صدر عن المجلس العلمي الأعلى بخصوص اقتراح خطبة الجمعة على السادة الخطباء، ستكون خطبة الجمعة التي يقترحها المجلس ليوم الجمعة 06 محرم 1446هـ / الموافق 12 يوليوز 2024، وذلك لمن أراد من الخطباء اعتمادها دون تغيير.
وهذا رابط تحميلها على موقع وزاةر الأوقاف والشؤون الإسلامية:
رابط خطبة الجمعة: سبيلنا إلى الحياة الطيبة (بصيغة pdf).
وهذا نصها:
الحمد لله الذي جعل الإيمان نوراً، والعمل الصَّالح برهاناً، فهما عمدة السَّالكين، وقصد العارفين.
ونشهد أنَّه الله الواحد الأحد، الفرد الصَّمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، بعثَه الله رحمةً للعالمين، وهدايةً للسَّالكين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرا إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
عباد الله؛
إنَّ من المقاصد الكبرى التي جاءت الشَّريعة الإسلامية لتحقيقها، وتضافرت النُّصوص الشَّرعية على تأكيدها بناءَ مجتمع متماسك متآلف، وقِوامُ هذا التماسك والتآلف الإيمان وما يقتضيه من يقين، والعمل الصالح بمختلف مراتبه وما يثمره من بذل وعطاء، فهما السبيل إلى سعادة الدُّنيا والآخرة.
ولقد جاء البَيان القُرآني مبرزا على هذا المعنى في مواطن عديدة حتى لا تبقى التَّكاليف الشَّرعية مجرَّد أشباح بلا أرواح، ورسُوم فاقدة للمعنى، وذلك في قوله تعالى:
﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) [سورة البقرة آية 177].
وكذلك جاء البيان النبوي مؤكدا لهذا المعنى، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما آمن بي من بات شبعاناً، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به». (رواه الطبراني).
فاجتمع للنَّاس ببركة هذه التَّوجيهات القرآنية والوصايا النَّبوية فضلان عظيمان: فضل الامتثالِ لأحكام الشَّريعة والإذعَانِ لها، وفضلُ بناء المجتمع على أسسٍ إيمانيةٍ كفيلة بأن تثمر سلوكاً اجتماعيا راقياً، فيسعد بها الفردُ والمجتمع، ويتحقق لهم جميعاً وعدُ الحَّق سبحانه في قوله:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة النحل آية 97].
عباد الله:
لقد اتَّفق الحُكماء بمختلف مشاربهم على أنَّ من أهم وسائل سعادة الإنسان إسعادَه لأخيه الإنسان، ومجتمعُ المؤمنين هو الأَوْلى بتحقيق هذا المعنى بما حبا الله أهله من إيمان يدعو للإحسان للآخرين، وصُنع المعروف لهم، وعدَّ ذلك من أرقى أنواع العمل الصَّالح، وأزكى ثمرات العبادة، فيتكامل للعبد بذلك، ويجتمع له فضل الوقوف بين يدي الله في محاريب المساجد، وفضل الوقوف بين يديه جلَّ وعلا في محاريب خدمة النَّاس ونفعهم، وإدخال السُّرور على قلوبهم؛ وهو ما يجسد حقيقة الإيمان، مصداقاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، (رواه البخاري ومسلم)، وقوله أيضاً: «أحبُّ النَّاس إلى الله أنفعهم للنَّاس». (رواه الطبراني).
فكلُّ هذه الأعمال عباداتٌ يتقرب بها العبد إلى مولاه، لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة الحج آية 75].
فعلى قدر ما نعيشُ حياتَنا على هذا الفهم، ونجتهدُ في حُسن تمثُّل معانيه، على قدر ما نسعدُ ونهنأُ بحياة طيبة أساسها طمأنينةُ القلب، وسكينةُ النَّفس، وراحةُ البَال، وهو معنى ذَكَرَهُ غيرُ واحدٍ من أهل التَّفسير في قول الله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ
عباد الله:
لقد جاء في خطبة الجمعة قبل الماضية؛ أنَّ من تدبَّر آيات الله المجلية لوعدِه للمؤمنين بالحياة الطيبة، إن هم استجابوا لله ولرسوله، فآمنوا وعملوا صالحاً. ومن تأمل أيضاً في واقع النَّاس، وما فيه من غياب علامات كمال الحياة الطيبة، يؤلمه ما يعانيه الكثيرُ من المواطنين والمواطنات من العَنت، والشِّدة، والضَّنك، ولا يجد له مخرجاً إلاَّ أن ينهضَ العلماء بما حمَّلهم الله من أمانة التَّبليغ والبيان فيعملُوا على إزالة هذا التَّناقض بين وعد الله وحال بعض النَّاس، ويؤكدوا لهم أنَّ هذه الحال هي بسبب عدم الاستجابة الكاملة حسب الجهد لأحد الشَّرطين: شرط الإيمان وشرط العمل الصَّالح أو لكليهما، أي: أنَّ الخلل حاصلٌ إمَّا من جهة قلَّة التَّحلي بأحوال الإيمان، أو من جهة قلَّة الإقبال على العمل الصَّالح.
ومن ثَم، فإنَّ جوهر المبادرة التي أطلقها علماء الأمَّة، والتي سمَّوها بـ: “تسديد التَّبليغ”، قائمةٌ على بيان معاني التَّحلي بالإيمان، وعلى أسباب الإقبال على العمل الصَّالح، فهما معاً السبيل الموصلة لاستقامة الحياة وجلب السَّعادة للعباد.
وهذا لعمري هو منهج النُّبوة في التَّبليغ الذي يدعُو، فضلاً على تعليم النَّاس والحرص عليهم في باب الإلحاح بقصد الاتباع، إلى القُرب منهم رعايةً ونصحاً.
وهكذا يتعين علينا جميعاً أن نَعِيَ أنَّ هذا المنهج المستوحى من الهدي النبوي يقوم على شرح معاني الإيمان التي تَبْني شخصية المؤمن، وتصوغ هويته، وبيانِ مقتضياته في دنيا النَّاس، ويقوم أيضاً بالحثِّ على العمل الصَّالح بمختلف أوجهه، وتنوع مجالاته في الواقع.
ومن ثمَّ لابد أن تدرك أخي المؤمن أختي المؤمنة؛ المعاني الآتية وتسعى إلى تحصيلها:
- أولاً: أنَّ الإيمان يقتضي التزام المؤمن قولاً وفعلاً بما بيَّن الله ورسوله من مكارم الإخلاص وجميل الخصال ورفيع الأحوال التي بها تطيب الحياة ويهنأ العيش؛
- ثانياً: أنَّ الإيمان تزكيةٌ، أي: تربيةٌ تُوصل لحال التَّوحيد الذي يحرر المؤمنين ممَّا نسمِّيه اليوم بالأنانية؛
- ثالثاً: أنَّ الإيمان يتغذى من محبَّة الله ورسوله، ويثمر محبَّة النَّاس، وهي من الأسرار العظمى للحياة الطيبة؛
- رابعاً: أنَّ الإيمان يُكسب التَّقوى، وهي طاقةٌ حاميةٌ يتغلَّب بها المتقي على الضعف الأصلي في الإنسان؛
- خامساً: أنَّ التَّوحيد الذي هو جوهر الإيمان، يؤهل للحرية التي لا تتحقق إلاَّ إذا تحرر المؤمن من الضعف أمام الشَّهوات؛
- سادساً: أنَّ التَّوحيد الذي هو جوهر الإيمان يؤهل للحرية تجاه الأغيار البشرية من الخوف من غير الله، ومن الطَّمع فيما عند الله؛
- سابعاً: أنَّ الحرية المنبثقة من التَّوحيد تؤهل للفلاح، أي: للنَّجاح في الدُّنيا والفوز في الآخرة؛
والمعنى الثامن الذي ينبغي فهمه ووعيه: أنَّ أركان الإسلام الأربعة بعد الإيمان: صلاةً، وزكاة، وصوما، وحجاً، تتغذى من معاني التَّوحيد الذي يثمر فيها الالتزام بالحال والمقال.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على المبعوث هدىً ورحمةً للعالمين، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ أيها المسلمون:
يقول الحق سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾.
إنَّ هذا الاستفهام الإلهي الوارد في الآيتين، يتضمَّن لوماً وتحذيراً للمؤمنين أن يكُون فعلُهم مخالفاً لقولهم، وبقطع النَّظر عن مناسبة النُّزول، فإنَّ هذا التَّناقض بين القول والفعل غيرُ لائقٍ بحال الإيمان، ولا يدلُّ عليه.
إذ من أسرار الإيمان أن يثمر عبادات من شأنها أن ترقى بسُلوك العبد، وتُخلِّصه من كلِّ الشَّوائب النَّفسية المذمومة، فيقوى على مخالفة الهوى، ونبذ الأنانية، والتَّطهر من الشُّح، والبُخل، والغش، والكذب…، وكل ما يذمُّه الشَّرع والعقل؛ وفي المقابل تُحلِّيه هذه العبادات بجميل الخصال وكريم الفعال، كالتَّخلق بخلق المحبَّة، والعطاء، والوفاء، والسَّعي لجلب الخير والنَّفع للنَّاس، وهذا ما يجب تذكير العباد به في كل وقت وحين، حتى يصلُح حالهم، وتزكُوَ نفوسهم، فيعرُجُوا في سُلَّم التَّقوى والاستقامة، ويَحيَوا الحياة الطيبة التي يترتب عليها الجزاء الطيِّب.
جعلنا الله وإيَّاكم ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم المفلحون.
هذا؛ ولنجعل مسك الختام أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام على ملاذ الورى وخير الأنام سيِّدنا محمد النَّبي المصطفى الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين، والرِّضى منك يا ربَّ العالمين على الخلفاء الراشدين المهديين، ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين.
وانصر اللهم من قلدته في الأرض أمر عبادك، عبدك الخاضع لعزك وسلطانك، مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمدا السَّادس، اللهم انصر به الدِّين، واحفظه بما حفظت به الذِّكر الحكيم، وكن له المُعين والظَّهير، وأقر عينه بولي عهده صاحب السُّمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وشُدَّ عضد جلالته بصنوه السَّعيد الأمير مولاي رشيد، واحفظه في سائر الأسرة الملكية الشَّريفة، وفي كلِّ أفراد شعبه الوفي. إنك أنت نعم المولى ونعم النصير.
وتغمَّد اللهم برحمتك الواسعة الملكين المجاهدين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، وارزقهما جوار النَّبيئين والشُّهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين أجمعين، وارزقنا طيب الحياة، وحُسن الختام، وخير الجزاء، فإنَّك يا ربِّ نعم المولى ونعم المُجير.
وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد عبدك ورسولك النَّبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم.
ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.
ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النَّار.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.