دحمان يكتب: التطبيع الاقتصادي.. المخاطر وآليات المواجهة

08 أكتوبر 2025 15:24

هوية بريس- ذ.عبد الاله دحمان

شهدت العقد الأخير تسارع انفتاح عدد من الأنظمة العربية ومنها بلدنا على مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو انفتاح تعدت ديناميته الطابع السياسي والدبلوماسي والامني ، ليتوغل بدون حدود ولا سياسة حمائية إلى المجال الاقتصادي. هذا التطبيع الاخير تتمثل خطورته في اعتباره مدخلًا متفعيا لتحقيق التنمية وجلب الاستثمارات، بل ويحقق التوازن وابردع خصوصا على مستوى التزويد بالاسلحة ، لكنه في العمق يثير إشكاليات خطيرة تتعلق بالسيادة الوطنية والغذائية والأمن الاقتصادي والاجتماعي.
من هنا تبرز أهمية هذا المقال ، الذي يسعى إلى محاولة تفكيك مظاهر مخاطر التطبيع الاقتصادي، ومقاربة أهم الآليات الممكنة لمواجهته.

بداية لابد من مساءلة الظاهرة لكشف أبرز مخاطر التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني على الدول والمجتمعات العربية ومنها بلدنا ، وما الآليات الفعالة لمواجهته على المستويين الشعبي والرسمي؟
ثم هل يمكن اعتبار التطبيع الاقتصادي عملية تجارية محايدة ، أم أنه يشكل اختراقًا استراتيجيًا للسيادة الوطنية؟ .

وهل المخاطر الاقتصادية للتطبيع محدودة أم انها تمتد لتشمل أبعادا ثقافية واجتماعية وسياسية ؟
وبالتالي المواجهة لا يمكن أن تتحقق أو تكتمل إلا من خلال تكامل الأدوار بين التشريع، المقاطعة الشعبية، وبناء بدائل اقتصادية مستقلة حتى يتم قطع التبعية للكيان سيما في احتياجات حيوية واستراتيجية .

أولا: أين تتجلى مظاهر التطبيع الاقتصادي؟
يمكن رصدها في مجالات عدة اهمها التبادل التجاري ،حيث استيراد وتصدير السلع والمنتجات الزراعية والصناعية ثم الاستثمارات المشتركة خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقات المتجددة وهي مجالات تم اختراقها ببلدنا . ناهيك عن التعاون البحثي والاكاديمي عبر اتفاقيات جامعية ومراكز دراسات ذات طابع اقتصادي.
وغيرها من مجالات بروز التطبيع الاقتصادي ، لكن ما يهم هو رصد مخاطر هذا التطبيع الاقتصادي الذي يمكن ادراك اثره على مستوى المساس بالسيادة الوطنية من خلال إدماج الاقتصاد المحلي في شبكة مصالح الكيان وربط اي نهوض او تطور به بصيغة تواكلية تكرس الحاجة إلى وجود العلاقة مع الكيان الصهيوني .
مما ينبني عليه إضعاف للاقتصاد الوطني نتيجة المنافسة غير المتكافئة مع الشركات الصهيونية المدعومة . ناهيك عن تعزيز العلاقات الاقتصادية بشكل غير مباشر اومباشر عبر تمويل الاحتلال مما يعزز الاستيطان ومصادرة الأراضي وتأبيد الاحتلال .
ولعل من اخطر نتائج التطبيع الاقتصادي هو توفير بنية تحتية للاختراق الثقافي والاجتماعي عبر ترسيخ صورة “طبيعية” للكيان في الوعي العام وهو ما يؤدي نتيجة الى إضعاف التضامن العربي والإسلامي وتقويض فرص بناء تكتلات اقتصادية بديلة.

ثانيا: من خلال هذه الصورة الموجزة على مخاطر التطبيع الاقتصادي وتداعياته ، فما هي آليات المواجهة المتاحة أمامنا؟ .

رغم صعوبتها وتعقد مجالها يبقى مدخل التشريعات والقوانين في مقدمة هاته الاولويات من خلال سن قوانين تمنع وتجرم التطبيع الاقتصادي وهذا يقتضي مناخ سياسي ديموقراطي مستوعب .
لكن اردة الشعوب ايضا يمكنها تحصين اقتصادياتها من خلال المقاطعة الشعبية وهنا يمكن اساسا دعم حركات المقاطعة (BDS) وتوسيع رقعتها المجتمعية .
ثم لا بد من التفكير في بناء بدائل اقتصادية ذات نجاعة من خلال دعم الإنتاج المحلي والإقليمي، وتعزيز التكامل العربي والإفريقي والسعي الى تشبيك نسيج الاقتصاد العربي .
ولا تكتمل نهضة الاقصاد العربي ومنه المغربي الا بتعزيز قيم الحكامة من خلال تفعيل الرقابة والمساءلة والعمل على تفعيل المراقبة المؤسساتية وإشراك المجتمع المدني والنقابات في مراقبة الاتفاقيات والصفقات.
بحيث يمكن للنقابات مثلا سلك طريق المرافعة الدولية واستثمار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لإدانة الشركات الداعمة للاحتلال.
وحتى يتم ترسيخ ممانعة قوية في هذا الاتجاه فيجب العمل على ترسيخ الوعي الجماهيري والشعبي عبر التعليم والإعلام المستقل لفضح خطورة التطبيع الاقتصادي.
وختاما فإننا نؤكد أن التطبيع الاقتصادي ليس مجرد علاقة تجارية عابرة، بل هو مشروع اختراق استراتيجي يهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصادات العربية في اتجاه التبعية للاحتلال لذا قلنا ان مواجهته تتطلب استراتيجية شمولية
لان المعركة الاقتصادية هي في جوهرها امتداد للمعركة السياسية والثقافية، ومن ثم لا يمكن عزلها عن مسار التحرر الوطني والقومي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة