دحمان يكتب: الوضع التربوي بالمغرب.. مقاربة نقدية

هوية بريس- ذ. عبد الإله دحمان/ عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سابقا
تقديم :
يُجمع الباحثون والفاعلون التربويون في المغرب على أن التعليم يمثل المدخل الاستراتيجي لأي مشروع مجتمعي نهضوي يروم التنمية والعدالة الاجتماعية. ومنذ الاستقلال، ظلّ النظام التربوي محوراً لإصلاحات متتالية (انتهاء بالميثاق الوطني للتربية والتكوين 1999، المخطط الاستعجالي 2009، الرؤية الاستراتيجية 2015–2030، والقانون الإطار 51.17 وخارطة الطريق ومدارس الريادة حاليا )، غير أنّ هذه الإصلاحات لم تحقق الأهداف المرجوة، وهو ما يجعل الوضع التربوي بالمغرب موضوعاً ملحا للتحليل والنقد.
الإشكالية التي نطرحها في هذا المقال التحليلي : إلى أي حدّ استطاعت الإصلاحات التعليمية المتعاقبة بالمغرب أن تعالج الاختلالات البنيوية والبيداغوجية، وما هي الآفاق الممكنة لإعادة الثقة في المدرسة العمومية؟.
اولا : الإشكالات البنيوية للمنظومة التربوية:
تُظهر التقارير الوطنية والدولية استمرار أعطاب مزمنة في النظام التعليمي المغربي:
1- ضعف التعبئة الوطنية حول مشاريع الإصلاح التربوي، اما بالمال الفاعل التربوي وعدم الاستشارة معه في اعتماد المخططات، أو من خلال الاستمرار في منطق التجريب والتخطيط من فوق ، ثم المخططات الإصلاحية كانت تتحاشى مدخل المورد البشري في الإصلاح لانه مكلف .
2- استمرار الهدر المدرسي والانقطاع المبكر: تشير إحصائيات وزارة التربية الوطنية (2023 ونا تلاها ) إلى أن آلاف التلاميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنوياً، خاصة في الوسط القروي، مما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تقرير 2021).كما هناك هدر اخر نوعي حيث خريجو المدرسة المغربية بعد البكالوريا أو التخرج من المعاهد العليا، يغادرون الوطن دون رجعة ، وهو ما اصطلح عليها هجرة الكفاءات والعقول.
3- ضعف جودة التعلمات: بحيث لازال أداء نظامنا التربوي هش ، فتقارير البنك الدولي تؤكد منذ (2020) أن التلاميذ المغاربة يتأخرون بما يقارب 4 سنوات دراسية عن نظرائهم في بلدان أخرى من حيث الكفايات القرائية والرياضية.ومؤشرات التقييم الداخلي لقياس المردودية غنية على اي تعليق ، يكفي مراجعة تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .
3- إشكالية الهندسة اللغوية وخصوصا لغات التدريس: بخيث لا تزال السياسات اللغوية متأرجحة بين العربية والفرنسية، مع هيمنة للاخيرة غلى خساب اللغة الام بهلاف نا هو سائد عالميا ، ناهيك عن محاولات إدماج الأمازيغية والإنجليزية، وهو ما يخلق ارتباكاً معرفياً وهوياتياً.
4- اشكالية الموارد البشرية: متذ 1967 تاريخ صظةر النظام الأساسي برسوم ملكي، والوزارة الوصية تحاول إيجاد صيغة ناظمة للنظام الأساسي لموظفي التعليم وهي تجرب وصفات فاشلة عن استيعاب منظومة حقوق وواجبات الشغيلة التعليمية ، ولعل اعتماد الية التوظيف بالتعاقد منذ 2016 كرس ازمة النوارظ البشرية وخلق توتراً اجتماعياً ونفسياً داخل الجسم التعليمي، وأثر على الاستقرار البيداغوجي وهو مستمر ما لم يتم إدماج حقيقي لهذه الاطر في منظومة الوظيفة العمومية عبر اجتهاد قانوني حقيقي.
5-فشل المدرسة العمونية في التعاطي مع الأبعاد الاجتماعية والثقافية.
حيث لاحظنا لستمرار إعادة إنتاج الفوارق ، عوض أن تكون المدرسة فضاءً للترقي الاجتماعي، صارت في حالات كثيرة آلية لترسيخ الفوارق الطبقية، حيث يزدهر التعليم الخصوصي كبديل عن العمومي ، وهنا يكفي ان نطلع على الدراسة التي انجزها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بعنوان” المدرسة والعدالة الاجتماعية “.
6- ضعف الاندماج مع سوق الشغل ، يلاحظ غياب ملاءمة بين التكوين الأكاديمي وحاجيات الاقتصاد الوطني، مما فاقم أزمة بطالة حاملي الشهادات (تقرير المندوبية السامية للتخطيط، ).
7- تآكل الثقة المجتمعية: تعبير الأسر عن عدم الرضا عن جودة المدرسة العمومية ينعكس في نزوح واسع نحو القطاع الخصوصي، رغم هشاشته بدوره فهو لم يتسطع ان يبلور نموذج الملاولة التربوية .
8- اشكالية زمن الاصلاح وزمن التدبير الحكومي ، فالبعد السياسي والإصلاحي تم التشويش عليه من خلال كثرة الإصلاحات وغياب الاستمرارية ، فكل مرحلة سياسية تأتي برؤية جديدة دون تقييم جدي لما سبق (المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تقرير التقييم المرحلي للرؤية 2015–2030،الصادر سنة 2022).
9- ضعف الحكامة التربوية: غياب مدخل الحكامة في الاصلاح التربوي ، مما يبرز غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الموارد المالية والبشرية، إضافة إلى غلبة البيروقراطية على المؤسسات التعليمية . ويكفي هنا مراجعة جدل مليارات البرنامج الاستعجالي والتقييمات التي أنجزت.
10- تأثير بعض اللوبيات التي تتجاذب التأثير على وظيفة المدرسة في علاقتها بمجتمعها والمستقبل وتتجلى في تداخل وتناقض الفاعل التربوي مع مصالح اقتصادية وسياسية الشي الذي يحد من قدرة المدرسة العمومية على أن تكون مجالاً للانصاف والعدالة الاجتماعية.
ثانيا : آفاق التحول الممكن:
رغم التعقيدات، يظل الإصلاح ممكناً إذا استند إلى مرتكزات واضحة:
1- تجديد بيداغوجي: التركيز على الكفايات والمهارات الحياتية بدل التلقين التقليدي ومنطق التجريب البيداغوجي .
2- التحول الرقمي: إدماج التكنولوجيا لتقليص الفوارق المجالية وتحسين جودة التعلمات (اليونسكو، 2021).
3- اعتماد سياسة لغوية منسجمة: تقوم على التعددية المتوازنة بين الهوية والانفتاح.
4-استقرار مهني للأساتذة: بتوفير علاقة شغلية مستدامة في اطار الوظيفة العمومية وتكوين مواكب وظروف عمل محفزة تجعل من تاهيل الوضع المادي والاجتماعي والمهني للشغالة التعليمية مدخلا للإصلاح التربوي .
5- تجديد الثقة بين المدرسة والمحتمع عبر انفتاح المدرسة على محيطها: إشراك الأسرة والمجتمع المدني والجماعات الترابية في إنجاح المشروع التربوي.
الخاتمة
يمكن القول إن الوضع التربوي بالمغرب يتسم بالمفارقة: وفرة في الإصلاحات، وندرة في النتائج الملموسة. التحدي الحقيقي لا يكمن في صياغة مخططات جديدة، بل في إرساء إرادة سياسية حقيقية، وآليات حكامة فعّالة، ومقاربة شمولية تجعل من التعليم قضية وطنية فوق حزبية. فبدون مدرسة عمومية قوية، ستظل رهانات التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية رهينة.
المراجع
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. (2021). التقرير الوطني حول التعليم.
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. (2022). تقرير التقييم المرحلي للرؤية الاستراتيجية 2015–2030.
وزارة التربية الوطنية. (2023). الإحصائيات السنوية للتربية والتعليم.
البنك الدولي. (2020). مؤشرات جودة التعليم في المغرب.
المندوبية السامية للتخطيط. (2022). تقرير وضعية سوق الشغل في المغرب.
العمراني، عبد السلام. (2019). التعليم بالمغرب بين الرهانات والإخفاقات. الدار البيضاء: إفريقيا الشرق.
بنعبو، محمد. (2021). الحكامة التربوية بالمغرب: الواقع والآفاق. الرباط: منشورات الجامعة.
النجاري، حسن. (2022). السياسات التعليمية والتوظيف بالتعاقد: قراءة نقدية. فاس: دار الأمان.
UNESCO. (2021). Education in the Digital Age: Global Perspectives. Paris.



