دعم وزارة الأوقاف لموسم “مولاي عبد الله أمغار” ومصداقية خطة تسديد التبليغ

16 أغسطس 2024 10:31

هوية بريس – حكيم بلعربي

يُعقد في هذه الأيام موسم “مولاي عبد الله أمغار” بمدينة الجديدة كأكبر موسم شعبي في المغرب يقصده سنويا مئات الآلاف من الزوار من مختلف ربوع المملكة.

وتأتي نسخة هذه السنة ووزارة الأوقاف منخرطة فيما أسمته “خطة تسديد التبليغ” التي تروم إصلاح تدين المغاربة، وإعادة اللحمة بين العلماء وعامة الناس، وربط آصرة التلقي بين المرجعيات العلمية المغربية وبين عموم الشعب المغربي.

ومما اشتكى منه مرارا مسؤولو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اعتماد بعض المغاربة على فتوى واستشارات دينية من مرجعيات خارج الحدود الوطنية، عن طريق الهاتف أو القنوات أو مواقع التواصل الاجتماعي.

فتأتي محطة الدعم الرسمي للوزارة لموسم “مولاي عبد الله أمغار” لتكرس البعد بين المؤسسة الدينية وبين عموم المغاربة، الذين عبروا عن استكار واسع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقا على بعض المظاهر التي وصفوها بالمخالفة للمسلمات من عقيدة التوحيد الإسلامية التي تستمَد من القرآن الكريم والسنة النبوية.

ومن أبرز الطقوس التي تتكرر كل سنة مشهد سوق الهدية أو الضحية أو الذبيحة إلى هذا الموسم برعاية رسمية وبمباركة من قبل كثير من أطر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وهذا الفعل وصفه علماء ومختصون في العلوم الدينية بالمخالف بالمرة لأبجديات العقيدة الإسلامية وما تقرر عند العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية، ومنها المذهب المالكي، الذي وصف سوق الذبائح للقبور والأضرحة بـ”المظهر الجاهلي”، حيث شدد علماء المذهب على أنه لا يجوز ولا يقبل سوق الهدي من إبل أو بقر أو غنم إلا لبيت الله الحرام، وفي هذا الصدد قال شارح مختصر خليل؛ الحطاب في مواهب الجليل: “إن ‌سوق ‌البدن إلى غير مكة من الضلال” [مواهب الجليل شرح مختصر خليل(3/341)].

وأوردوا في هذا السياق حديثا عند الإمام أبي داود في سننه عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ صاحب المصنف: «كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً». قال الخرشي في شرحه لخليل: “وأما عقر البهائم وذبحها على القبر فمن أمر الجاهلية مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: «‌لا ‌عقر ‌في ‌الإسلام» قال العلماء: العقر الذبح على القبر” [2/129].

وفي هذا الصدد تساءل متابعون: من الأقرب للمذهب المالكي ولكلام أئمته وعلمائه.. هل هي وزارة الأوقاف أم عموم المسلمين الذين أغرقوا مقاطع سَوْق الذبيحة بالتعليقات المستنكرة؟؟

‌‌ومن مظاهر التخلف والرجعية التي استنكرها عموم المتابعين تقديم القرابين من شموع ونقود للضريح، والطواف حول القبر سبعة أشواط مع تقبيل الأركان الأربعة، ودعاء هذا الولي والاستغاثة به من دون الله تعالى…

والتهافت على الأخذ من لحم الذبيحة المقربة للضريح، مقدمين في سبيل ذلك أموالا باهضة مقابل قطعة لحم.

هذا اللحم الذي يتسابق عليه الناس إما رجاء البركة المزعومة أو لأغراض الشعوذة والسحر.

أما انتشار الكهنة والعرافين (الشوافات) بالموسم فانحراف لا تكاد تخطئه عين الزائر.

وعطفا على كل هذه المظاهر المخلة يتساءل خبراء: كيف تريد وزارة الأوقاف بناء مصداقية ومصالحة مع عموم المواطنين وهم يشهدون رعايتها لهذه المظاهر المخلة بالمعتقد وإنفاقها من أوقاف المغاربة على تكريس وترسيخ عقائد القبورية والوثنية والشرك، ومنع الخطباء والعلماء الرسميين من التطرق لهذه المظاهر بما يقتضيه واجب النصح والبيان الذي جاءت به الشريعة وتبنته خطة تسديد التبليغ؟

إن ما سبق من المصائب التي يقوم عليها هذا الموسم وغيره متعلقة بالعقيدة ومهددة لإيمان المغاربة وعقيدتهم، وإلا فإن المخالفات المتعلقة بالسلوك والأخلاق وانتشار المعاصي والموبقات مع عظمها وانتشارها لا تكاد تظهر لهول ما سبق.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإيمان بالأولياء والشرفاء من آل البيت الصالحين ومكانتِهم وما يستحقون من الإجلال والإكرام أمر ثابت ولكنه لا يسوغ الغلو فيهم ولا عبادتهم ولا غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه.

وقد صرخ علماء المغرب مبينين فظاعة هذا المنكر المرتبط بالمواسم والأضرحة والقبور ومن آخرهم العلامة عبد الله كنون الذي قال:

“..أما ما يرجع إلى الاعتقاد منها -وهو أدهى و أمر- فنحو الاعتقاد بأن  الميت المقبور الذي انقطع عمله وأُحصي عليه أوله وما أسلف، ينفع أو يضر بشيء من أمور الدنيا أو أمور الآخرة، وأنه يعطي ويمنع ويبتلي ويعافي ويرزق الولد على شرط تقديم الهدية سنويا، فإن لم يفعل ذلك المغرور أو المغرورة ذلك أخذ منه ولده.

ونحو ذلك مما تبرأ منه إلى الله ملائكة السماء. إذ لا يخفى أن هذا شرك صراح يربو على شرك الجاهلية الذي لم يبلغ قط إلى هذا الحد.

مع فقدانه نور الهدى وعدم وجود تعاليم نبي ولا كتاب سماوي بذلك.

وقد كان من جراء هذا استفحال هذا الاعتقاد الفاسد المفضي بصاحبه إلى الكفر عياذا بالله ورسوخه في أذهان الناس وتمكنه من عقولهم، أن زخرفوا الأضرحة وزينوها بأنواع من الزينة، وبنوا على القبور القبب العالية وألبسوها حلل الديباج والخز المذهبة، التي أقل ما فيها أنها عين التبذير والإسراف المذمومين شرعا وعقلا.

فجاء هذا الفعل داعيا أقوى للعوام على زيادة الإفراط والغلو في تعظيمها واحترامها بمعنى عبادتها وإشراكها مع الله تعالى في الخلق والرزق وسائر صفات الألوهية المختصة به والمستحيلة على غيره.

فصلوا إليها وقرّبوا لها القرابين. ونذروا لها النسك وقدموا لها الهدي”.

نقلا عن كتاب (دور الفقهاء في الحركة الوطنية من خلال رسائل الفقيه عبد الله كنون قبل الحماية) ذ.إدريس كرم.

فهل يا ترى ستغير الوزارة الوصية على الشأن الديني علاقتها بالمواسم والأضرحة بما يجعلها علاقة شرعية مبنية على التصحيح والتقويم والنصح؟

أم أنها ستوثر الصمت، وتستمر على ما كانت عليه مراهنة بالمشروع الكبير لخطة تسديد التبليغ وبمكانة العلماء الرسميين، ومتحملة لوزر الكتمان والتغرير بعموم المواطنين؟؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M