د. البشير: السعودية لا تكتفي بفصل الدين عن الدولة، بل تلاحق الدين بالقمع حتى في دائرته الفردية

هوية بريس – د. البشير عصام المراكشي

السقوط من قمة الجبل إلى سفحه يبدأ بتلك الخطوة الصغيرة التي يفارق بها الشخص -مختارا أو مدفوعا أو مقصرا في الحذر الواجب- حالة استقراره فوق قمة الجبل، ثم هو بعد ذلك يصبح خاضعا لقوة جاذبية هائلة تجره نحو الأسفل، لا يملك أمامها سوى التخبط والصراخ، ولا تفتأ سرعته تزيد حتى يصل جثة هامدة إلى أسفل موضع ممكن!
أكثر الناس لا ينتبهون إلى الشخص الساقط حتى يسمعوا صراخه، أو يروا تسارع حركته. وقليل منهم من يتفطن لتلك الخطوة الأولى، مع أنها أساس البلاء كله.
ما نراه اليوم في بلاد الحرمين وقع نظيره منذ عقود في كثير من الدول الإسلامية، وهو إذا كان يتسارع اليوم، فإن خطوته الأولى بدأت منذ سنوات عديدة، وشارك في صياغة صورتها كثير ممن يعاني اليوم من آثار هذا السقوط الذريع!
بدأ السقوط حقا حين قرر العلماء (تقريبا منذ قيام الدولة الثالثة بعلاقاتها الموطدة مع الغرب) أن يثقوا في الدولة ثقة عمياء، ويشرعنوا طاعتها المطلقة ويستدعوا لذلك ترسانة فقهية موجهة، ويتركوا لها مجالات السياسة والاقتصاد، في مقابل أن تترك لهم التحكم المرحلي في التدين الفردي.
فكانت تلك الخطوة الأولى في علمنة الدولة، التي يراد لها اليوم أن تحث الخطى نحو العلمانية الصريحة المتوحشة التي تحارب الحريات، ولا تكتفي بفصل الدين عن الدولة، بل تلاحق الدين بالقمع حتى في دائرته الفردية.
حين كانت بعض الأصوات تنكر بوادر السقوط نحو المستنقع العلماني، كان أول من يتصدى لها: مؤسسة العلماء المدجنة، التي تعاني الآن من أزمة مشروعية خانقة، سيعقبها تغييب الدولة لها عن جميع مواقعها السابقة، كما حدث في الدول الإسلامية الأخرى.
والله المستعان.