د.الصمدي: نموذج الأسرة بين التثبيت والتفكيك
هوية بريس – د.خالد الصمدي
خطاب الله تعالى المتعلق بحقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة، إنما هو خطاب داخل نموذج متكامل المقومات والخصائص، نموذج مبني على الإيمان بالله والوقوف عند حدوده في أحكامه والتمسك بأخلاق العشرة، والتضحية من أجل بناء الأسرة وحفظها واستمرارها بمنطق تعبدي لتتحقف مهمة الاستخلاف وتنتقل عبر الأجيال.
ولا يمكن فهم القوامة والولاية، ونظام الإرث، وأحكام الزواج والنفقة وأحكام الطلاق، وحقوق الأطفال وغيرها من أحكام الأسرة إلا في هذا السياق، وضمن هذه المنظومة المتكاملة التي قوامها المودة والرحمة وعنوانها الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان.
وأي تداول لهذه المفاهيم بمعزل عن هذه المنظومة وفي سياقات انهيار القيم وضعف الإيمان وضمور منسوب الثقافة الشرعية ومقاصدها وشيوع ثقافة الاستهلاك والضغوطات المادية وما إلى ذلك سيخرجها من منظومتها وستفهم على غير قصدها وغايتها فيتحول النقاش بشأنها من المجال التربوي والإيماني والتوعية بالثقافة الشرعية من أجل تنزيل أمثل للنموذج، إلى نقاش حقوقي قانوني صرف يحاول كل طرف فيه أن ينتزع مكتسبات لصالحه بمنطق انتهازي، فيتحول هذا النقاش إلى حوار الطرشان لأن كل فريق لن يعدم استعراض نماذج من الواقع تدل على ظلم أو انتهاك حقوق أو طغيان في التصرف من الرجل أو من المرأة.
وهكذا يحرص المنتصرون للمنظومة الشرعية على إبراز مقاصد الإسلام وأحكامه الثابتة في قضايا بعينها بمعزل عن النظرة الشمولية للمنظومة في كل أبعادها الشرعية والتربوية، وبعضهم مع كامل الأسف لا يستحضر السياق والواقع كما استحضرته الشريعة وعالجته بمنهجية متدرجة.
ويحاول المنتصرون للمنظومة الحقوقية المادية التي تدعو إلى حرية التصرف في الجسد والصراع من أجل انتزاع الحقوق بين الرجل والمرأة و الانتصار لأحد الطرفين من أجل انتزاع الحقوق في غياب منظور محدد للأسرة وقيمها البانية، فيستعرضون نماذج سلبية من قلب المجتمع ليس للدلالة على فساد الممارسة في علاقتها بالنموذج المثالي للأسرة الذي دأب عليه المجتمع المغربي وعاش عليه لقرون، والدعوة إلى إصلاحه من الداخل، وإنما باستغلال هذا الفساد واستثماره كدليل وبرهان على إفلاس هذا النموذج والدعوة إلى تفكيكه، وإحلال النموذج المادي الحقوقي محله.
وفي هذا السياق تبرز أهمية الوعي بمنهجية الدفاع عن النموذج الأصيل بمقوماته القطعية نصا ومقصدا في علاقة بالسياق وظروفه وإكراهاته، وذلك باستحضار منهجية القرآن الكريم في إحلال النموذج الراشد محل النظام الفاسد بالتدريج في عصر الرسالة حتى استقر واستمر، وهو منهج متكامل الأركان في الذكر الحكيم كما سنوضحه في التدوينة القادمة بحول الله، والله المستعان.