د.بنكيران يكتب: الطلاق الشفوي بين الشريعة ومدونة الأسرة

14 أكتوبر 2023 21:41

هوية بريس – د.رشيد بنكيران 

◆ من المعضلات التي يعرفها موضوع الطلاق في المجتمع المغربي ما يسمى بالطلاق الشفوي، والمقصود به أن يقوم الزوج بالتلفظ بما يقضي شرعا حل الرابطة الزوجية قبل أن يطرق باب المحاكم أو القانون ليتم توثيق الطلاق رسميا.

◆ والسبب في كونه من المعضلات هو أن القانون المغربي لم يسن مواد قانونية تستوعب هذا النوع من الطلاق إن وقع، بل تجاهلته مدونة الأسرة ولم تقنن سبلا لإيقاع الطلاق إلا ما جاء في المادة 79 التي نصت فيها على أنه “يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك….. (1)”.

فمقتضى هذه المادة أن الزوج الذي يريد أن يطلق زوجته، يجب عليه قانونا أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد، لكي يكون الطلاق تحت مراقبة القاضي، وليس هناك وسيلة أخرى لإيقاع الطلاق والاعتراف به غير ما جاء في هذه المادة القانونية.

◆ وعليه، فالقانون المغربي لا يعترف بالطلاق الشفوي، لكنه من الناحية الشرعية إذا استكمل الطلاق الشفوي عناصره المطلوبة للإيقاعه شرعا فإنه يعدّ طلاقا بالإجماع ويترتب عنه أحكامه، ولا عبرة بأي قانون يخالف قانون الشرع.

◆ هذا، وقد حاول بعض المتشرعة تبرير سلوك مدونة الأسرة أو القانون المغربي بالخلاف الموجود في الفقه الإسلامي الذي يتعلق بحكم الطلاق إن كان بدعيا أو لم يُشهد الزوج عليه، فإن من الفقهاء من ذهب إلى أن الطلاق البدعي -وهو أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض أو في طهر جامعها فيه- لا يقع، وأن الطلاق الذي لم يُشهد الزوج عليه ليس صحيحا.

◆ لكن في الواقع، محاولة هؤلاء المتشرعة بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فهي كم يسعى أن يغطي نور الشمس بالغربال كما يقال في المثل الشعبي المغربي الدارج على ألسن؛ لأن القاضي في محكمة الأسرة حينما يعطي الإذن بتوثيق الطلاق أو إيقاعه لا يراعي حالة المرأة هل هي مثلا حائض أم لا، أي هل الطلاق سيكون بدعيا أم لا.

كما أن الزوج لو أحضر شاهدين عدلين من المسلمين أثناء تلفظه بالطلاق لا قيمة لهذه الشهادة في نظر القانون المغربي إذا لم يكن بمراقبة القاضي.
وعليه، فالخلاف الفقهي في الطلاق البدعي وفي الإشهاد -بصرف النظر عن الراجح من المرجوح- لا علاقة له بسلوك مدونة الأسرة فيما يخص هذه المسألة.

◆ وتجدر الإشارة أن مدونة الأسرة من خلال موادها القانونية؛ المادة 79، والمادة 83(2)، والمادة 86(3)، والمادة 87(4)، انصب اهتمامها بدرجة كبيرة حول الحقوق المالية للمرأة المطلقة، ولهذا اشترطت إذن القاضي لإيقاع الطلاق ومراقبته منه لقبوله حتى تستخلص تلك الحقوق المالية. وهذا حسن في ذاته إن كان بالعدل والميزان. لكن للأسف الشديد أن ذلك كان على حساب حقوق الله وحدوده، فإن الحكم بصحة الزواج أو بصحة الطلاق وعموم العقود، أو الحكم ببطلانها من الأحكام الوضعية -أي بوضع الشارع لها، وهو الله جل جلاله- فإذا باشر المكلف أسبابها، ترتبت أحكامها الشرعية؛ لأن الله هو الذي أرادها شرعا، ولا يستطيع أحد أيا كان أن يبطل ما حكم الله عليه بالصحة، أو يصحح ما حكم الله عليه بالفساد، ولهذا لم يعتبر عذر الهزل فيمن باشر أسباب الزواج أو الطلاق؛ قال الرسول ﷺ في حديث حسن: «ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ؛ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ» فالهازل بالزواج أو بالطلاق لما كان قاصدا للسبب الذي جعله الشرع علامة على الحكم ترتب الحكم دون الالتفات إلى هزله، فإرادة الحكم بعد مباشرة سببه ليس للمكلف بل لله عز وجل وحده لا شريك له في ذلك.

◆ فإذا كان من تلفظ بالطلاق ولو هازلا ألزمه الشرع ما تلفظ به، فكيف يكون حال من تلفظ بالطلاق جادا مريدا له غير مكره وليس هناك ما يمنع من صحة الاعتداد به مانع شرعي، فالاعتداد شرعا بهذا الطلاق أو ما يسمى بالطلاق الشفوي من باب أولى إذا استوفى شروطه الشرعية المقررة، حتى ولو لم يذهب المطلق إلى المحكمة لاستكمال الإجراءات القانونية لتوثيق الطلاق الذي أوقعه على زوجته لفظا. بل حتى ولو ذهب إلى القاضي وطلب الإذن بتوثيق ذلك الطلاق، لكنه عجز عن أداء المستحقات المالية فتراجع عن التوثيق بسبب ذلك، فإن العجز عن المستحقات المالية ليس من الأحكام التي وضعها الشارع لإبطال حكم من تلفظ بالطلاق.

◆ والناس رجالا ونساء في حرج كبير جراء تجاهل مدونة الأسرة ما جعله الشرع فيصلا ما بين الحلال والحرام في العلاقة الزوجية، ذلك أنهم يعتقدون جازمين غير شاكين أن شريعة الله التي يتعبدون بها، والتي يرتبط بها مصير حياتهم في الآخرة كما في الدنيا، قد علقت الطلاق بلفظ الزوج، فإذا تلفظ بما يدل عليه عُدّ ذلك طلاقا في شريعة الله.

بل وصل الحرج إلى العلماء وأصبح الحليم منهم حيران، همهم أن يجدوا مخارج وفق أسس شرعية للسائلين الذين تلفظوا بالطلاق وقد عجزوا عن توثيقه وتراجعوا قانونا عن المضي فيه، وانقضت مدة عدة الطلاق، أو بانت منهم زوجاتهم بينونة كبرى، وأنى لهم ذلك.

◆ بل بلغني أن بعض من شارك من العلماء في صياغة مدونة الأسرة الحالية يفتي بوقوع الطلاق الشفوي، ولكن أين المخرج والحل لهذا الوضع الخطير؟؟

◆ وبناء عليه، فإني أدعو الجهة المسؤولة أن تصحح هذا الوضع الخطير، فإنه ليس كل من أراد الطلاق ذهب إلى المحكمة قبل أن يتلفظ به، بل يمكن الجزم أن النسبة الكبيرة منهم تتلفظ بالطلاق أولا ثم تذهب إلى المحكمة، وقد أفضى تجاهل هذا الواقع إلى عيش بعض الأزواج في أنكحة محرمة، وقد ينتج عن تلك الأنكحة أولاد غير شرعيين حسب ما يعتقده هؤلاء الأزواج أنفسهم، وأي ضرر أشد من هذا الضرر، وأي مفسدة أكبر من هذه المفسدة.

◆ ولهذا وجب على تلك الجهة المسؤولة أن تراعي في سن قوانينها عقيدة الناس المتمثلة في العقيدة الإسلامية، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والأحكام الوضعية الشرعية كالصحة والفساد والسبب والمانع هي من وضع الله عز وجل لا يحق لأحد أن يغيرها، وحكم القاضي أو الحاكم لا يرفع الأحكام المجمع عليها، وقد أجمعت الأمة على الاعتداد بالطلاق باللفظ أو ما يسمى اليوم بالطلاق الشفوي.

هامش: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نص المادة 79 كاملا من مدونة الأسرة: “يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك، بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية، أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب”.

(2) تنص المادة 83 من مدونة الأسرة: “إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين، حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم المنصوص عليها في المادتين المواليتين”.

(3) تنص المادة 86 من مدونة الأسرة: “إذا لم يودع الزوج المبلغ المنصوص عليه في المادة 83 أعلاه، داخل الأجل المحدد له، اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق، ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة”.

(4) تنص المادة 87 من مدونة الأسرة على أنه: “بمجرد إيداع الزوج المبلغ المطلوب منه، تأذن له المحكمة بتوثيق الطلاق لدى العدلين داخل دائرة نفوذ نفس المحكمة. يقوم القاضي بمجرد خطابه على وثيقة الطالق بتوجيه نسخة منها إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M