د.الصمدي يكتب عن إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب
هوية بريس – د.خالد الصمدي
أن تعض بأصل شجرة
عشرون سنة مضت على خطاب جلالة الملك المتعلق بإعادة هيكلة الحقل الديني عند تنصيب المجلس العلمي الأعلى بمدينة الدار البيضاء سنة 2004، والذي تميز بطابعه الاستشرافي الراصد للتحولات والتحديات، التي سيعرفها المغرب على مستوى الشأن الديني وعلاقته بالهوية والانتماء،
ففي هذا الخطاب حث جلالة الملك المجالس العلمية على الإصغاء للمواطنين ولا سيما الشباب منهم والتجاوب معهم بالاجابة عن أسئلتهم بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين ، كما أصدر فيه جلالته أوامره السامية للحكومة قصد اتخاذ التدابير اللازمة، بأناة وتبصر، لعقلنة وتحديث وتوحيد التربية الإسلامية، والتكوين المتين في العلوم الإسلامية كلها، في نطاق مدرسة وطنية موحدة”.
ووفاء لارث جده المصطفى عليه الصلاة والسلام وسيرا على سنن أجداده الميامين من الفقيه المحدث سيدي محمد بن عبد الله ، إلى الحسن الثاني مؤسس دار الحديث الحسنية حرص جلالته حفظه الله على صيانة ونشر حديث جده المصطفى عليه الصلاة والسلام ، الذي يتعرض لأبشع أنواع الهجوم هذه الايام ، حيث أعطى أمره المطاع بإطلاق منصة محمد السادس للحديث الشريف في التاسع من ماي 2022، لتكون مرجعا للعلماء والأساتذة والدعاة والمهتمين وعموم المواطنين في الوصول الى الحديث الصحيح والعمل به وتمييزه عن غيره من الموضوع والضعيف ، بالاستناد إلى موطإ الامام مالك وصحيح البخاري ومسلم وكتب السنن المعتمدة ، ويسهر عليه علماء مغاربة متخصصون ، يجسدون حلقة أخرى من سلسلة ذهبية من عناية العلماء المغاربة بالسنة النبوية الشريفة عبر التاريخ منذ أن رحلوا فرادى وجماعات الى المدينة المنورة للجلوس الى الامام مالك ورواية موطإه ، ثم رحلاتهم العلمية لرواية الصحيحين والاشتغال بفقههما حيث لم يتقدمهم احد في ذلك وغير ذلك من الجهود التي حفظها التاريخ للمغاربة مصدر فخر واعتزاز ، وقد بسطت ذلك على وجه التفصيل في كتابي ” مدرسة فقه الحديث بالغرب الاسلامي جذورها آثارها مناهجها” الذي طبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشكورة في جزءين،
وفي هذا السياق حرص جلالة الملك على إحداث جائزة محمد السادس لخدمة السنة النبوية تمنح كل سنة لتشجيع الجهود المتميزة، التي يبذلها علماء المغرب في رواية وفقه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشريفا لها وتعظيما،
ثم جاء خطاب العرش 2023 الذي نبه فيه جلالته الى ما يعرفه العالم من اهتزاز في القيم والمرجعيات وتداخل العديد من الأزمات خاصة على المستوى الاجتماعي والأسري داعيا إلى التعامل معها بالجدية اللازمة بالمعنى المغربي الاصيل،
وهكذا سيستمر ظل أمير المومنين حارسا أمينا للملة والدين ، من انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ما قامت كل المؤسسات بأدوارها المنوطة بها ذوذا عن حياض الدين ، حماية له من تطاول المغرضين ، الذين جعلوا مقدسات الأمة الجامعة في فوهات مدافعهم ومرمى سهامهم، وأدخلوها إلى سوق النخاسة لأغراض ذاتية خسيية،
إن هذا النظر الاستشرافي السديد لجلالة الملك ، المنبه إلى خطورة التحولات الهوياتية والقيمية وطنيا ودوليا وضرورة الوعي بها والاشتغال الجماعي لرفعها ومواجهتها، هو أصل الشجرة الذي يعض عليه المغاربة ،والحصن الحصين والذرع الواقي لهم من كل يمس عقيدتهم وهويتهم ، وهو ما يتطلب مزيدا من تكثيف الجهود على المستوى الديني والتربوي التعليمي والاعلامي والتواصلي والقانوني والقضائي للقطع مع العبث بهوية المغاربة وثوابتهم الدينية ، “إنه لقول فصل وما هو بالهزل” “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” والحمد لله رب العالمين.