د. الودغيري يرد على مشروع “التوافق” الذي يسعى لفرض “فرنسة التعليم”
هوية بريس – عبد الله المصمودي
تحت عنوان “عن التوافق والتواطؤ”، نشر د. عبد العلي الودغيري في حسابه على فيسبوك، رده على مشروع قانون الذي يتعلق بلغة التدريس والذي ينتصر لفرنسة التعليم في المغرب.
حيث كتب عالم اللسانيات “نعرف أن هناك إرادة سياسية تسعى لفرض فَرْنَسة التعليم بعد مضيّ حوالي أربعين سنة على تعريبه. وهذا ما يؤكد لنا بكل قوة ووضوح -إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد- أن مسألة التعريب نفسها مسألة قرار سياسي لا أقل ولا أكثر، ولا علاقة لها بما يُلَفِّقونه زورًا وبُهتانًا للغتنا العربية من تُهَم زائفة، ويختلقونه من مسوِّغات باطلة. فيوم أرادوا التعريبَ عرَّبوا بدون تلكُّؤ أو تريُّث، واليوم يريدون التراجُع عنه لاعتبارات خاصة بهم لا تهمَّ الشعبَ والوطنَ في شيء، مستغلّين هَشاشَة المعارضة، وتخاذل مواقف الأحزاب الموصوفة بالوطنية وترهُّلها وفَقر برامجها وضعف أُطرها، وغياب الطبقة المثقَّفة الفاعلة والمؤثِّرة عن القيام بواجبها في قيادة عملية البناء والإصلاح وصياغة الوعي الجَمْعي والصَّدع بالرأي والخروج من منطقة الظل والعَتَمة وترك الأبراج العاجية.
نعرف أن صانعي القرار دَأَبوا منذ الاستقلال المشوَّه المبتور على صنع أغلبية عدَدية وأحزاب إدارية تحت الطلب لتمرير القرارات المصيرية واستعمالها دروعًا لحماية المخطَّطات الجهنَّمية رغم أنف الجميع. لكن هذا لا يعني للمناضل الشريف والوطني الغيور أيَّ شيء سوى المضي بكل إصرار في طريقه إلى النهاية. ولا يمكن أن يَثْني الهيئات الوطنية المنبثقة من إرادة الشعب عن الاستمرار في الدفاع عن مشروعها الفكري والسياسي بغض النظر عن حساب الربح والخسارة بالمنطق الانتخابي والانتفاعي.
لا يمكن للأقلّية في البرلمان أو من النخَب السياسية والثقافية أن تتخلّى عن واجبها التنويري والنضالي وتُهروِل إلى رفع الراية البيضاء، والتراجع إلى الوراء، والانسحاب المُذِل من ساحة المعركة لا سيما إذا كانت مصيرية ووجودية كمعركة اللغة العربية، لمجرد القول بوجود أغلبية عدَدية مصنوعة قادرة على تمرير أي قرار من القرارات الفَوقية من غير حاجة إلى أصوات الاٌقلية، وإلا ما الفائدة من وجود تلك الأقلّية المعارضة في المؤسسات الدستورية أصلاً، إذا كانت في النهاية ستنضم بقضّها وقضيضها إلى هذه الأغلبية المصنوعة وتصبّ أصواتها في صناديقها؟
إن المواقف الملتبِسة التي تمتزج فيها الألوان والأطياف، وتلتحق فيها الأقليةُ بصفوف الأغلبية من غير عذر واضح، ومبرّر مقبول، هي التي تُفرِغ العملية الديموقراطية من محتواها الإيجابي، وتَزيد المواطنين نفورًا ويَأسًا من المشاركة في الانتخابات التي تصبح بلا معنى ولا فائدة. وهذا شيء خطير ينعكس سلبًا على نفسية الأجيال الشابّة، ويدفعها إلى الجنوح إلى التطرّف وتصريف ردود أفعالها بأساليب عنيفة، تعود بالوبال على الجميع.
ليس للحجة التي يتذَرَّعون بها في مثل هذه المواقف، إلا تفسير واحد وهو إخفاء النوايا الحقيقية لأصحابها، والتهرّب من المسؤولية التي قد يترتّب عن النهوض بها ما يتعارض مع مصالحهم ومنافعهم وامتيازاتهم وكراسيهم ومَكاسبهم العاجِلة والآجِلة. وإلا فإن القرارات الفَوقية لا يمكن تمريرُها بالسهولة المتخيَّلة إلا في حالة التنازل والانبطاح في النهاية والمتاجرة بالمواقف، والصمت في غير مكانه وأَوانه. والتخلّي عن المبدإ في اللحظات الحَرِجة.
ما يُطلَب من الأقلية، إذا كانت صادقة في خطاباتها وشعاراتها هو الثبات في الموقف والصمود إلى آخر نفَس بغضّ النظر عن النتائج. ذلك هو ما يعبِّر حقًّا عن مصداقية الهيئات السياسية المنتخبة، ويجعلها أهلاً لثقة الشعب حقًّا.
وإن غدًا لِناظِره قريب”.