د. الودغيري يكتب ردا على مهاجمة الوزير التوفيق للمقاومة المغربية: خطّ التحرير وخطُّ التبرير
هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري
من المُضحِكات المُبكِيات في زمن غرائبيّ عَجائبي كَتَبَ الله لنا أن نعيش بعضَ مهازِله ومَباذِله، زمنِ الانبطاح الفكري والسياسي والهزائم النفسية الكارِثية المُتوالية، وفضائح الجماعة التَّبريرية التَّنويمية التَّغليطية، أن يأتي شخصٌ يعتبر نفسَه من العارفين بالتاريخ، ليُلصِقَ تُهمةً غريبةً عجيبة ركيكة، بأولئك العلماء المتنوِّرين ممن سانَدوا، بحكم وظيفتهم الثقافية والفكرية، صفَّ المجاهدين المُرابِطين المقاومين للغزاة المحتلّين الذين ظلّوا يتربَّصون الدوائرَ بالمغرب منذ سقوط الأندلس حتى استولَوا على عدد من مُدنه وشواطئه وثُغوره في الشمال والغرب والجنوب، وبعضُها ما يزالُ رازحاً تحت الاحتلال إلى يوم الناس هذا (سبتة ومليلية والجزر الجعفرية… وغيرها)، وبعضُها الآخر لم يَفلت من قبضة الاحتلال إلا بِشِقِّ الأنفُس قُبيلَ سنوات، وما يزالُ الصراعُ حوله قائماً لم يَبرَح مكانَه، والمَكائدُ من أجله تُحيطُ بلادَنا من كل جانب، والمغاربة يدفعون ثمنَ ذلك من أموالهم وأرواحهم وقُوت يومهم إلى وقتنا هذا، صابرين محُتَسبين غيرَ مُبالين.
رجلٌ جاء ليَعصِف بكل ما فعله آباءُ المغاربة وأجدادُهم، من المقاومين المكافِحين المناضلين الشرفاء، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم، فئةُ المثقفين المتنوّرٍين الذين وصفَهم بالتهوُّر والاندفاع وانعدام الحكمة وقلة الدراية، فكانوا -حسب زَعمه- سبَبَ ما وقع فيه المغرب الحديث من احتلال أجنبي، بموقفهم المقاوم والمُمانِع، لأنهم لم يَستبصِروا، ولم يُطأطِئوا أو يستسلموا لأحذية الغزاة وآلاتهم الجهنَّمية. وبجرّة قلم خفيفة سريعة، سوَّدَ الرجلُ كلّ ما عرفه المغاربةُ عن تاريخهم الوطني المجيد، وليس المُحرَّفَ والمُزَيَّف والمُكيَّف، تاريخهم الناصِع النَّقِيّ الذي ظلُّوا يحتفلون به في كلِّ مناسبة، ويرفعون بسببه رؤوسَهم عاليةً بين القامات والهامات، لأنه مصدرُ فخرهم واعتزازهم، وما زالوا من أجله يُكرِّمون أبناءُ المقاومين والمجاهدين جيلاً بعد جيل، ويُحيطونهم بهالة من الاحترام والتبجيل.
كنا نحسب أن موقفَ هؤلاء العلماء المتنوِّرين المجاهدين ممن قادوا حركةَ التحرير والمقاومة في القرن التاسع عشر وما بعده، ظلّ في ذاكرة الجميع موقفاً شريفاً وعظيماً يُخلّده التاريخُ لهم ويكتبُه بمداد الفخر والنصر، لأنهم اختاروا مواجهة الأجنبيّ المحتلّ الذي استمرَّ متربِّصاً بالبلاد منذ سقوط الأندلس، بالكلمة الحرّة، والتوعية الصادقة، والتكوين المعرفي الصحيح، وبناء رِباطات الجهاد في كل ناحية، وتقدِّم الصُّفوف في كل واجهة، وبَذل النَّفس والنفيس، دفاعاً عن أعزِّ ثَغرٍ من ثُغور الإسلام حتى لا يسقط كما سقطت بقيةُ القلاع والحُصون.
لكن صاحبنا، اختارَ ظرفاً معيّناً من الظروف المشبوهة المُلتبِسة التي اختلطَ فيها الحابِلُ بالنابِل، والعارِفُ بالجاهِل، والصالِحُ بالطالح، والحقُّ بالباطِل، والسِّلمُ بالاستسلام، والمقاومةُ بالإرهاب، والجِدُّ بالهَزل، ليُلبِس تُهمة الهزيمة والنَّكسة تلك الصّفوة المختارة من المثقفين الذين قادوا أو أَيَّدوا حركةَ المقاومة والجهاد، واتهَمَهم في وطنيتهم، وسَفَّه عقولَهم، ورماهُم بالتهوُّر وسوء التقدير، لأنهم لم يُؤثروا العافيةَ والسلامة.
وما لم يَقُله صاحبُنا بطبيعة الحال، هو أن غيرَهُم من المُستَسلمين والانهزاميّين والمُتحالفين والمتواطِئين، كانوا على حقٍّ، بل كانوا من الحُكماء، حين خفَضوا رؤوسَهم لجحافِل المحتليّن الغاشمين، وذلَّلوا لهم المسالك، وأَمَّنوا لهم كلَّ الطرق، وأقنعوا بُسطاءَ الناس بأن لا فائدة من المقاومة والعِناد، وزَيَّنوا لهم الرِّضى بالواقع، وقالوا: ليس في الإمكان أَبدعُ مما كان، وبَرَّروا لهم الخنوعَ والخضوعَ والاستسلام، وأوَّلوا ذلك بأنه من قضاء الله وقَدَره الذي لا يعترضُ عليه إلا كافر أو مُرتَدّ، فحرَّموا بذلك الكفاحَ والنضالَ والمقاومة وصَونَ النفس والدفاع عن البلاد وردَّ المعتدي. ألم يَكتُب بعضُ شيوخ طائفة من الطّوائف المعروفة في ذلك الوقت، رسائلَ تلو الرسائل إلى أتباعهم ومُريديهم في شمال إفريقيا وغربها، يَدعُونهم إلى تَركِ المقاومة والسلاح، والخُلود للدَّعة، والدخول في الطاعة، واختيار السّكينة، وإيثار السِّلم والسلامة، حتى قال أحدُهم في خطاب من خطابته المنشورة المشهورة: إن جمهورية فرنسا «من لُطف الله الخاصّ بكم، رَحمكم اللهُ بتَولِيَّتها عليكم دون غيرها، لِما اتَّصفت بهِ من الحَنان والشفَقة والوقوف على الحدود وحفظ العهود، وتأمينكم على أنفسكم وأموالكم وأعراضكم»؟
ألم تُعرقِل هذه الطائفة وغيرُها من مثيلاتها وأشباهها مقاومةَ الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري، ويَخذلها رجالُها لتتمكّن فرنسا من التوغّل في الجزائر والمغرب وما بعدهما من البلاد؟ ألم تقف، ومعها طوائفُ أخرى معروفة، ضد المقاومة التي قادها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي؟ أفَمثلُ هذا يخفى على قارئ عادي، فأحرى أن يكون خافياً على مؤرِّخ ضليع…؟
لم يتكلَّم صاحبُنا عن سوء التدبير والتسيير وقُصور نظَر الحُكّام في ذلك الوقت والزمان، ولم يتطرَّق إلى خمولهم وانغلاقهم وضِيق أُفُقهم وقلة حيلتهم، وخلوِّ حاشيتهم من المفكّرين والمدبّرين والمَهَرَة من السياسيّين والمستشارين، ولم ينبس بشفَة عن الأموال التي بَذَّروها والثروات التي بَدَّدوها وأَهدروها، ومصالح البلاد والعباد التي أغفلوها، ولا عن جشَع التُّجّار والطبقة المتموِّلة والمتغوِّلة، وأًصحاب الحمايات والمُتَجَنِّسين الذين باعوا وطنَهم وخانوا ملوكَهم، باحتمائهم وراء أعداء أُمتهم، ولم يُشِر إلى طبقة الجواسيس التي كانت تملأ القصور والدواوين، وما اندسَّ بينهم من الخوَنة المُتوارين، ولا إلى ما كان يُحاك في الداخل والخارج من دسائس ضد سلامة البلاد، ولا عن أطماع الأجانب في خيراتنا ومخطّطاتهم التي طبَخوها في تحالفاتهم الدولية على نار هادئة لاحتلال بلادنا، بينما كان أهلُ السياسة والحكم والتدبير يغطّون في نوم عميق… تركَ ذلك كلّه وراء ظهره، ولم يجد أحداً أمامه ليحمِّله وِزرَ ما حدَث من كوارث إلا فئة العلماء والمثقفين الذين بَرَّأوا ذمَّتَهم، وقالوا كلمتَهم، ووقفوا الموقفَ الذي يُمليه عليهم الواجبُ نحو بلادهم وأُمَّتهم … والغرضُ من كل ذلك، وسياقُه الظَّرفي واضحٌ فاضِح.
ما أشبهَ اليومَ بالبارِحة… لم تَمضِ إلا فترةٌ قصيرة استبشَر فيها العربُ والمسلمون خيراً بثلة من العلماء والمثقفين الأحرار الأوفياء لضميرهم الفاهمين لدورهم وواجبهم، فقادوا ذلك الخطّ التنويري التحريري الذي أدّى إلى حصول البلاد الإسلامية والعربية على استقلالها واسترجاع جُزءٍ مما سُلِبَ منها، حتى طَفَت على السطح موجةٌ مُعاكِسة مُشاكِسة، أًبَت إلا أن تقرأَ التاريخ مُنَكَّساً، وتضع نفسَها في مواجهة مطامح شعوبها، وتهرول لتقود خَطاً تبريرياً استسلامياً انهزامياً، يُذلِّل الطريقَ مرةً أخرى للمحتلّ الجديد، ويُشرعِنُ له خُطَطه في المنطقة كلها، ويباركُ خُطواته، بكثير من البَهرَجة والتهليل والتكبير، لتمرير الصَّفقة وتحويل الأنظار عن المُبايَعة…
ذلك ما كان. واللهُ بالِغٌ أمرَه.
جزاك الله خيرا على هذا الرد المفحم
وددت أن لو تركتم المقال السابق هو الآخر في الرد على ما قاله وزير الأوقاف.
اما التوفيق فهو منسجم مع فكره الصوفي وزاده الوضع السياسي الحالي الذي يبارك ويشجع ويمجد كل من تطاول على الاسلام وما يرمز إليه.
وكأني بالوزير يتملق الى الإمارات بان ما تقوم به نحو البلدان الإسلامية من إثارة الفتن هي وحليفتها السعودية لاعيب فيه. وانما الذين لم يفهموا ذلك هم من يريد ان يقف في وجه إسرائيل وامريكاوغيرهما من الدول القوية.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلام عندما تكلم عن الرويبضة
اخطر فرق المتصوفة يتبن انهم كانو مع العدو الصهيوني الأمريكي الصليبي الصهيوني في حروب التي وجهها فيها اجدادنا سيرحل هذا المجرم وعصابته انه سبق له ان كفر جميع آلمسلمين المغاربة اما ملك نطالب بمعاقبة هذا المجرم
وفقك الله ولاوفق توفيقهم،مقال فيه الرد المثلج للصدور وسيف على رقاب سندة القبور لمن يصف المقاومة والجهاد ضد المحتل بابشع الاوصاف قد لا نجد لها نظيرا على مر الظهور.لك الله يا قدس ويابغداد ويادمشق ويا صنعاء فالزمن زمن الانبطاح والسفور،زمن الاستسلام والتسبيح لآل فلان وآل علان،زمن الاموات ،زمن الفجور. لكن عجلة التاريخ لن يوقفها لا جمعة ولا التوفيق ولا كل من ينشد السراب على ابواب القصور.