د. فؤاد بوعلي: تعليق على هامش حادث مقتل محسن فكري والاحتجاجات التي تلت ذلك
هوية بريس – د. فؤاد بوعلي
لم أكن أود الخوض في موضوع “حدث” الحسيمة، لأن الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام، أبلغ من كل كلام وحديث وأعمق في توصيف عمق الأزمة التي نعانيها كمجتمع وكدولة… لكن حديث أب “الشهيد” محسن فكري الذي حطم كل أصنام التأزيم يستحق منا كل التحية والتقدير. فحينما يتكلم أب مكلوم بهذه الطريقة التي تستحضر أبعاد الصراع الحقيقي والأطراف الهامشية التي تبحث عن مجد وهمي من خلال هذه الأحداث وعلاقة الذات بالوطن نستوعب جيدا الفرق بين رجالات المجتمع المغربي وتيارات التأزيم المسلطة على رقابنا:
- فقد أثبتت الأحداث أن الذين قالوا بأن قوس “الربيع العربي” قد أغلق هم واهمون وأن الشعوب حية تنتظر الفرصة لتنتفض ضد الظلم والطغيان و”الحكرة”، لكنها تعاني، كما أثبتت التجارب السابقة، على أن الإشكال هو إشكال قيادة وتوجيه نحو المطلب الرئيس وليس المطالب الفئوية والهامشية التي كان أب الشهيد واعيا بها.
- تحتاج قيادة العدالة والتنمية إلى مناقشة واعية وعميقة حول تدبير السلوك الاحتجاجي. فبدل الانزواء ورفض الخروج ضد الظلم والاستبداد، من أجل شهادة حسن سلوك أو خوفا من الفوضى، يحتاج الشارع المنتفض دوما إلى قيادة حقيقية تعايش آلامه وتستوعب آماله وفي نفس الوقت تستطيع تمثل شعاراته. وهذا الدور، كما في 20 فبراير، لا يمكن لليسار الذي انتهت صلاحيته القيام به، لأسباب تاريخية وشعبية، ويمكن الاطلاع على تصريحات السيدة نبيلة منيب بعد الانتخابات الأخيرة لنفهم عمق الأزمة التي يعيشها هذا المكون المجتمعي الأصيل، أما الأطياف الإسلامية فالعديد منها يعاني من انفصام بين الشعارات والواقع، فمثلا بعض الهيئات المنادية بالديمقراطية والحرية والنضال ضد الاستبداد على رأسها نفس الوجوه منذ تأسيسها، لذا فقيادة الاحتجاج تحتاج إلى نخبة ذات عمق اجتماعي تتمثل قيم الديمقراطية والواقعية في التغيير.
- في غياب هذه القيادة وغلبة الطابع العفوي تخرج للوجود بعض النتوءات الهامشية التي تستغل الخطاب الاستئصالي والعنصري من أجل تحقيق مآربها الخاصة جدا. فكما حدث في 20 فبراير، وتكرر الآن، توجه الاحتجاجات من مطالب ضد “الحكرة” والاستبداد والتسلط إلى رفع أعلام انفصالية. صحيح أن الأمر يتعلق بعناصر هامشية وقليلة، لكن التوظيف الإعلامي للأمر، وغياب قيادة حقيقية للاحتجاج، جعل الهامش يسود على المطلب الجوهري. فخطورة الخطاب الاستئصالي لا يمكن إغفالها، لأنه خطاب مؤسس على الكراهية والعنف ورفض الآخر…
ولنتذكر جيدا أن حزب التحكم، الذي استفاد من التدخل الفج للسلطات بالحسيمة المتهمة الآن في الحادث، هو من قاد هذا الخطاب وتبناه في محطات متعددة وصل إلى حد استقبال رمز الانفصال بقبايل الجزائر في أكثر من مناسبة والتواصل مع الانفصاليين الأكراد والباسك… لذا فالخطاب الاستئصالي له غطاؤه السياسي، ومقاومة هذا التيار هي مقاومة لكل قيم الانفصال من أجل قيم الوحدة والعيش المشترك.