سابقة في التاريخ أن بلادا تُعنف وتقمع أطرها التربوية
هوية بريس – المصطفى سالمي
كان الدعاة والمصلحون والأنبياء والفلاسفة عبر التاريخ يتعرضون للتنكيل والمضايقات، بل للقتل والتصفية كما وقع لسقراط وجاليليو وابن حنبل وعديد الرسل عبر العصور، لكن أن يتم مطاردة وقمع أطر التدريس وضربهم وركلهم والتنمر والتحريض عليهم فهذا يشكل سابقة وبدعة غير مسبوقة في التاريخ ولا في الجغرافيا.
فلم يسبق لأمة أن اعتدت بالعنف على المربين، فحتى في بلاد (بنانستان) لم نسمع بهذه المهزلة والمسخرة التي تقع في بلاد بها أقدم جامعة ومنارة للعلم هي جامعة القرويين.
نعم إنها بلاد المغرب التي حملت مشعل الحضارة لأوروبا بعد أن فتحها القائد المغربي طارق بن زياد، ومن الأندلس/إسبانيا انتقل المشعل المنير إلى الغرب الذي ما زال يشع بالعلم والتقنية لحد الآن، بينما أصبحت بلادنا خلف كل بلاد (قمعستان) التي صقلها الزمان وأصبحت الديمقراطيات تغزو تلك البلدان الفقيرة بأفريقيا، بينما بلادنا التي هي المغرب فيها بضعة من رجال الأمن يعود ثلة منهم للأزمنة الغابرة المتعفنة، يحملون عصا العبودية التي انكسرت وأصبحت مجرد طيف من ماضي الظلام.
إن مطالب أسرة التعليم ببلادنا كانت صغيرة في أول الأمر على رأسها سحب النظام الأساسي المشؤوم وتحسين ظروف عمل المدرسين والرفع من الأجور، لكن الآن سيرتفع سقف المطالب لتكبر كرة الثلج، هكذا سنقول إن الأحداث تجاوزت المسؤولين الحكوميين عندنا المغيبين عن الواقع، إذ لابد من محاكمة هؤلاء الأمنيين المعتدين على كرامة رجال ونساء التعليم ومتابعة كل من أمر بالاعتداء على الأطر التربوية، إن المعلم في البلاد المحترمة مطلوب من الناس الابتعاد عن ظله بعدة أقدام حتى لا يُداس على هذا الظل، لكن ببلادنا أصبح يتم الدوس على أطرافه وتهشيمها وكأننا أمام مجرم من عتاة الجناة.
كنا وما زلنا نتساءل: أليس في هذه البلاد مسؤول حكومي رشيد حكيم ينزع شرارة الاحتقان؟! أليس هناك شخص عاقل من هؤلاء يجنب البلاد مخاطر المجهول؟!
لقد تسلط علينا زمرة من الوزراء الذين يفتقدون للحد الأدنى من التعقل والوعي والكفاءة السياسية، لا يجيدون إلا لغة التهديد والوعيد والتلويح بالأيدي، مما يطرح إشكالية الأهلية السياسية لهاته الوجوه الكئيبة التي ابتلينا بها في هذه البلاد السعيدة.
إن هؤلاء المسؤولين اتضح بما لا يدع مجالا للشك أنهم ينظرون نظرة عدائية لأطر البلاد وحماتها، إن المدرس مثل الجندي على ساحة القتال، بل أكثر من ذلك هو أول من يرسخ القيم الوطنية في العقول والنفوس، ولكن أنّى لهؤلاء المسؤولين أن يعرفوا؟!
ما وقع في مدينة العيون يومه الخميس في الثالث والعشرين من هذا الشهر (نونبر) يُعد وصمة عار على جبين هذا البلد، فأن يقول المسؤول الأمني لمساعديه: (اضرب أمه، ما بغاش يحشم؟!) من الذي ينبغي أن يستحي أيها المسؤول اللامسؤول؟
إن زمرة المسؤولين الحكوميين والأمنيين المذكورين يصرون على أن يقودوا البلاد إلى الهاوية، فهذا هو الإفلاس، لا تهمهم مصلحة ملايين التلاميذ المهددين بسنة دراسية بيضاء، وهي في حقيقتها سوداء قاتمة على مستقبل النشء، حيث المدارس خاوية على عروشها، وحيث الجهل يجثم على العقول لتفريخ الانحرافات والجنح، وعلى الذين يفرحون بتنظيم الملتقيات الرياضية والفنية أن يتسلوا وقتها بظواهر الشغب والفوضى في الملاعب والساحات، وبجموع المنحرفين يدمرون ويهشمون كل ما يقع تحت طائلتهم، وبجحافل الفقراء والجهال والمتسكعين يعترضون جماهير كأس العالم من الأجانب يلتقطون صور مغرب الغد المرعب وينقلوها إلى العالم بأسره إن استمر الحال عما هو عليه، نقول هذا حتى نبرئ ذمتنا أمام الله والتاريخ عسى يستفيق النائمون من سباتهم قبل فوات الأوان.
وعلى ذكر طارق بن زياد الذي أشرنا إليه في السطور أعلاه، نؤكد لكم أن معاشر المدرسين قد أحرقوا -مثل طارق- مراكب العودة للمؤسسات التعليمية، فلا عودة إلا بعد تحقيق كل المطالب المشروعة، ولسان حال رجال ونساء التعليم يقول: فليفعل المسؤول ما بدا له فالكرة في مرماه، وإن غدا لناظره لقريب.