شبابنا والمخدرات أية علاقة؟
هوية بريس – رشيدة المقرئ الإدريسي
يتتبع المهتمون بذهول وانزعاج تقدم جائحة المخدرات في كل بلدان العالم تقريبا والتي تعم كل طبقات المجتمع ذكوره وإناثه. حيث يتساقط الشباب والمراهقون في هاوية الإدمان وهم أمل المستقبل والمفروض أن يكونوا محصنين ضد تعاطي المسكرات والمخدرات بكل أنواعها.
فحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التي في تقرير سنة 2016 أن275 مليون شخص يستعملون المخدرات حول العالم منهم 36 مليون يعانون من اضطرابات عقلية بسبب التعاطي.
هذه المخدرات التي تتأبى ويلاتها على الحصر. ولها نصيب في العنف الأسري والهدر المدرسي وحوادث السير والتحرش والاغتصاب وزنا المحارم والجريمة التي تصل إلى قتل الأصول و تدهور صحة الشباب وتزايد نسبة الانتحار والاتجار بالبشر والدعارة و التفكك الأسري وشغب الملاعب وتلويث البيئة وحسب المرصد الوطني للمخدرات والإدمان يوجد: 800 ألف مدمن على المخدرات في المغرب. والرقم مرشح للزيادة بنسبة 4٪ بالنسبة للإناث و8٪ بالنسبة للذكور.
ترسم هذه الإحصائيات الصادمة حسب المصادر الوطنية والدولية معالم حرب شرسة ضد شبابنا تذكرنا أحيانا بحروب المخدرات في الفييتنام والصين.
الإدمان وعلاقته بالجريمة:
عرفت منظمة الصحة العالمية الإدمان بأنه حاجة قوية -غير قابلة للسيطرة أو التحكم- إلى تناول مادة معينة مثل المخدرات أو الخمر أو القيام بسلوك ما مثل القمار أو ممارسة الجنس، يصبح أهم شيء في حياة المرء، ويؤثر على دراسته أو عمله أو حياته العائلية و الزوجية ويولد ما يطلق عليه متخصصوا العلاج المعرفي السلوكي مصطلح الاعتماد العضوي أو الجسدي: و هو انحراف للأعمال الوظيفية الطبيعية لجسم الشخص بسبب استمراره في أخذ عقار مخدر (اصطناعي أو طبيعي). بحيث يصبح تناوله بشكل دائم ضرورة ملحة لاستمرار حياة هذا الشخص وتوازنه. ويصبح العقار المخدر ضروريا له كالطعام والشراب، بل هو أهم من ذالك.بحيث يحدث منعه مصاعب كبيرة وأعراضا خطيرة قد تدفعه إلى ارتكاب كل أنواع الجرائم للحصول على المخدر المنشود.
إذن فالأمر يتعلق بتغير فسيولوجي يجعل كل محيط المدمن معرضا للخطر في حالة عدم وجود المخدر. مما جعل المخدرات والجريمة يحيل أحدهما على الآخر سواء تعلق الأمر بالجرائم داخل الوطن أو العابر منها للقارات. فمثلا في المغرب يمثل السجناء المحكومون في قضايا المخدرات ربع ساكنة السجون مع ضرورة التمييز بين المستهلك والمتعاطي والمدمن.
الإدمان مرض له علاج:
رغم كل الأعراض السلبية للإدمان فعلى أولياء المريض بالإدمان ومحيطه أن يكونوا مقتنعين بضرورة العلاج رغم ارتفاع كلفته وطول مدته، وخطر الانتكاسة التي تتهدد المتعافي بنسبة 90٪ حسب أغلب المتخصصين في الميدان. ويتضمن ثلاثة مراحل كالتالي وبعجالة:
–العلاج الطبي الصيدلاني: ويتعلق الأمر بتطهير جسد المدمن من السموم ولا يكون إلا في المستشفى المتخصص أو مركز طب الإدمان أو العيادات النفسية الخاصة.
– التأهيل: بعد إزالة التسمم الحاد بالمخدر وحماية المريض من أعراض الانسحاب، تبدأ عملية التأهيل وتقوم بها في الغالب جمعيات المجتمع المدني بصفة عامة، أو يوظف الأهل مرافقا متخصصا للمتعافي بغرض دعمه نفسيا وإعانته على تطوير قدراته وتدبير الفراغ الناجم عن ترك المخدر ومجموعة الاستهلاك وتدبير علاقاته الإنسانية والعمل على رفع تقديره الذاتي وإزالة الانطباع السيء عن نفسه.
– الإدماج: بعد التطبيب والتأهيل يتمثل الإدماج في إعادة المتعافي إلى عمله أو دراسته أو تدبير مشروع يضمن له عيشا كريما.
مع الحرص على تغيير نظرة المجتمع للمتعاطي لأن نظرة التحقير قد تكون سببا في الانتكاسة.
حتى لا يقع أبناؤنا في شرك الإدمان:
من خاصيات ظاهرة الإدمان على المخدرات تطورها بسرعة تتزايد، فسرعان ما سارت آفة، ثم وباء، وأخيرا جائحة تدمر مقدرات الوطن ممثلة في شبابه على وجه الخصوص.
ومن خاصياتها أيضا أنها تتشعب وتتمدد لتمس كل مناحي الحياة بدون استثناء فلها أثر:
– على المؤسسات التعليمية كلها وبدون استثناء: من التعليم الابتدائي (المغرب بلد النصف مليون طفل مدخن) إلى الجامعي مرورا بالإعدادي والثانوي والتأهيلي ومراكز التكوين المهني والمعاهد والمدارس العليا بنسب تختلف في القيمة ولكنها كلها في تصاعد.
– أما مسؤولوا الأمن الوطني فرغم كل الجهود المبذولة والآليات المتطورة واليقظة المشهود لها دوليا لحماية الوطن،فلا تزال الموانئ الكثيرة والمطارات العديدة والشواطئ الطويلة وهجرة الأفارقة عبر الحدود الجنوبية ودخول الحبوب المهلوسة من شرق البلاد والمخدرات المصنعة عبر شمال البلاد تمثل تحديا حقيقيا.
– وتعاني وزارة العدل من عدد ملفات الجرائم بسبب المخدرات كقتل الأصول والسرقة والاغتصاب والدعارة والاتجار بالبشر والجريمة العابرة للقارات وحوادث السير تحت تأثير الكحول والمخدرات..
– وتعتبر وزارة الصحة المسؤول الحكومي عن الوقاية والعلاج من المخدرات وتكوين الأطر في هذا الميدان (مديرية الأوبئة والأمراض المعدية) وتعتمد على تقنيات ومرجعيات ومعايير دولية لعلاج الإدمان وتتبنى برنامجا استبداليا يروم العلاج عن طريق الميثادون. إلا أنها تبقى عاجزة عن المساهمة الفعالة في التوعية والتحسيس بأخطار المخدرات علاوة على كونها مثقلة.
بفواتير السرطانات والأمراض الناجمة عن التدخين والكحول والمخدرات (22٪ من المتعاطين عن طريق الحقن هم من حاملي فيروس السيدا).
– وتنوء أسر المدمنين تحت ثقل العنف والاغتصاب وزنا المحارم والسرقة وتتعرض لخطر التفكك خصوصا إذا كان المدمن هو الأب المعيل .وبالتالي تساهم المخدرات في إعاقة التنمية وإعادة إنتاج الفقر والهشاشة.
– وتبقى معضلة زراعة وإنتاج القنب الهندي وتصديره في شمال المغرب تسائل المسؤولين وأهل الشأن وبالرغم من برامج وكالة الشمال الذي رصدت له أموال طائلة وتم التنويه بالدولة المغربية من قبل المجتمع الدولي خصوصا الأوروبي. فلا زالت التقارير الدولية تصنف المغرب كأول دولة مصدرة للقنب الهندي متبوعا بأفغانستان.
-كما لا يفوتنا أن نذكر وزارة الإعلام بدورها الرائد لتسارع لبلورة خطة إعلامية هادفة تحد من تغول الإدمان على المخدرات.
-كما أن أحد أهم الوزارات المكلفة ببناء الإنسان ألا وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فعليها توجيه الوعاظ والقائمين على الشأن الديني للتوعية بخطورة الآفة وتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الميدان.
وحتى نحمي أبنائنا من هذا الخطر الذي يتهددهم ليس في شوارعهم وأزقتهم ومدارسهم وملاعبهم بل في عقر منازلهم وعبر هواتفهم المحمولة حيث تباع كل المحظورات ويؤتى بالسلعة إلى أبواب الدور في غفلة عن الأهل والرقيب.
“فالوقاية والمكافحة والمحاربة تتطلب مقاربة تشاركية حقيقية تعتمد التقائية جميع المعنيين من مسؤولين حكوميين من كل الوزارات ذات الصلة والأمن والمجتمع المدني من أجل صياغة سياسة وطنية شمولية ومندمجة تقف سدا منيعا أمام هدر مقدرات الوطن”.