عوام ردا على التوفيق: الدعوة إلى الجهاد لن يضر السياسة بل سيقويها
هوية بريس – د.محمد عوام
منذ أمد غير يسير وأعطاب وزارة الأوقاف تتفاقم مع الوزير أحمد التوفيق، من توقيف الخطباء من غير سبب شرعي أو قانوني مقنع إلى هذه الخرجة الفجة التي لا معنى لها، وهي مناقضة للشريعة ولسياسة الدولة المغربية تجاه القضية الفلسطينية من وجوه:
الأول: أن العلماء متفقون على أن العدو إذا احتل أرضا إسلامية وجب الجهاد والنفير، وبخاصة إذا لم يتمكن أهل البلد المحتل من صد عدوانه، ودفع جرائمه، ورد بغيه. فالأمة الإسلامية تمثل جسدا واحدا، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر جسدها بالسهر والحمى، ولا يمكن للمسلمين أن يروا إخوانهم يسامون سوء الدمار والتعذيب والتنكيل، ويمكثون في مسكانهم ودولهم يتفرجون، هذا ليس من الإسلام في شيء.
ثانيا: من واجب العلماء الديني، ويتحتم ذلك في حقهم أن يحرضوا الأمة على الجهاد في فلسطين، لتحرير أولى القبلتين من الاحتلال الصهيوني الغاشم، ويخلصوا بلاد المسلمين من الصهاينة المجرمين، ويستردوا أرض فلسطين غير منقوصة، فلا سلام مع المحتلين الفاشيين. فوظيفة العلماء ليس فقط الوعظ والإرشاد بالطريقة التي تريدها وزارة الأوقاف، وإنما كذلك القيام بالإصلاح وإنكار المنكر وإرشاد الناس لما فيه الخير، ومحاربة الفساد والاستبداد والطغيان، والظلم والجور والعدوان، كل ذلك بميزان الشرع المبني على الوسطية والاعتدال، لا الخنوع والذل والهوان.
ثالثا: من المؤسف أن يصدر هذا عن وزير أوقاف، متنكرا أن للمغرب أوقافا هناك، أوقاف المغاربة وحارتهم منذ مشاركتهم مع صلاح الدين الأيوبي في إجلاء الصليبيين، هل أنسته السياسة ما درسه ودرسه من تخصصه في التاريخ؟!! هذا لعمري شيء عجاب.
فالمغاربة الأصلاء منذ دخولهم في الإسلام وهم دائما مع قضايا أمتهم، لم يتخلفوا عنها، بدأ بفتح الأندلس مع القائد الكبير بلديك طارق بن زياد رحمه الله، ومرورا بصد الهجمات الصليبية عن الأندلس والقضاء على ملوك الطوائف مع أمير المسلمين يوسف ابن تاشفين، ومشاركتهم مع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، إلى مشاركتهم في حرب 1973 وما قبلها، زمن الملك الحسن الثاني رحمه الله، وما زال المغرب يدافع ويقدم المساعدات ولم يتنكر لإخوانه الفلسطينيين ولمقدساته هناك.
رابعا: المغرب يمثل رئيس لجنة القدس، بالرغم من تطبيعه مع الكيان الصهيوني -ونحن نستنكر ذلك، ونطالب بوقف هذا التطبيع المشؤوم ونذير لا يبشر بخير- فإنه مع القضية الفلسطينية، فماذا يضره إن دعا خطيب أو اثنين إلى الجهاد وهذا ما لا يفعله الخطباء البتة أو الدعاء لإخوانهم الفلسطينيين؟!! هل تستكثرون عليهم حتى الدعاء، إنه شيء عجيب وغريب من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
خامسا: إذا كنت السيد توفيق تستكثر على إخوانك دعوة الخطباء إلى الجهاد ولربما حتى الدعاء على المنابر الذي أحجم عنه كثير من الخطباء، فلا إخالك لا تعلم أن القوى الهمجية الغربية الاستعمارية تمد الكيان الصهيوني بكل أنواع أسلحة الدمار الفتاكة التي دمرت غزة ولبنان، وأحدث في بنيها مجازر وإبادة، ولا يقف الأمر عند هذا الإمداد بالسلاح، وإنما كذلك بالجنود من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى المرتزقة، وا أسفاه أن يجتمع العلوج على قتلنا، وتخريب ديارنا، وهتك أعراضنا، وتشريد أهالينا، ونحن نتفرج ونمنع حتى مجرد دعوة إلى الجهاد أو دعاء، أو تقديم مساعدات. اللهم لطفك.
سادسا: الدعوة إلى الجهاد بإذن الله لن يضر السياسة، ولن يربك حساباتها، بل إنه سيقويها ببركة تلك الدعوة، وسيجعل الله لها فرجا ومخرجا، وإنما كان عليك أيها الوزير أن تتحلى بالشجاعة لتتكلم عن الأسباب الحقيقية التي تضر بالسياسة وبالبلد، وعلى رأسها فشل التدبير الحكومي وما خلفه من كوارث، وإذا كنت غير قادر فالأسلم لك أن تلزم الصمت، ولا تعلق ذلك بالخطباء، فهم علماء ومنار الأمة، يدركون ما يصنعون.
وإذا كنت تقصد الإضرار بالسياسة التطبيع، فأنا أأكد لك أن التطبيع هو أكبر كارثة حلت بالمغرب، ولن يزيدنا إلا رهقا، فهو خراب وطن، فالأفعى الصهيونية تريد الالتفاف على المغرب، حتى الصحراء لا تعنيهم، ولا أدل على ذلك من خروج النتن هو كل مرة يحمل خريطة المغرب مفصولة عنها صحراؤها، فهذا يعني أنهم لا يعترفون بمغربية الصحراء، وإنما ينافقون ويكذبون.
وختاما فالمغرب جزء من أمته، فهو منها، وهي منه، أمة واحدة، والدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات شرف، والمغاربة عبر تاريخهم المجيد برهنوا وانخرطوا في الدفاع عن هذه المقدسات، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، أعني جهاد أعداء الأمة الذين يحتلون أراضي المسلمين، لن يوقفه أحد، كائنا من كان، ولولا الجهاد، لما استمرت القضية الفلسطينية حية، ولولا الجهاد لما تحرر المغرب من الاستعمار الفرنسي وقبله الإسباني والبرتغالي، ولولا الجهاد لقضي على الصحراء المغربية نفسها، ومازال المغرب يجاهد ويقاوم.
وشرف الجهاد لا يمنح للجبناء، وإنما خصه الله بطائفة من المؤمنين الخلص، والقادة العظام، الذين باعوا أنفسهم وحياتهم لله، والله اشترى، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون“.