فكُّ الحصارِ في الكركرات إضافة في التاريخ العسكري
هوية بريس – الحسن ولد ماديك (*)
إنّ عملية تطهير الكركرات سِلْمِيًّا ومِن غيرِ إراقة قطرة دَمٍ واحدةٍ ومِن غَيْرِ جَرْحَى ولا أَسْرَى لَـعمليّةٌ (عسكريّةٌ ـ سِلْمِيَّةٌ) وإِضافَةٌ جَديدةٌ في تاريخ الحُروبِ وفَكِّ الْـحِصارِ.
ولقد تتبّعْتُ نَشْرَ البوليزارْيُو فلـمْ تَـجْرْؤْ مُغالَطاتُهُم العريضةُ ـ طيلَةَ أحَدَ عشَرَ يَوْمًا ـ على زَعْمِ سُقوط ضحايا ولا جَرْحَى ولا أُسَارَى.
ولعلها أغربُ عمليّة عسكريّةٍ في التاريخ حَقيقٌ على الأكاديميّاتِ العسكريّة والأمنيّة في العالَـم دِراسَتُها وإدراجُها في المناهج التدريبيّة وتحسين الْـخِبْرَة، ذلكَ بأنَّ فَكَّ الْـحِصارِ عبر تاريخ الحروب أصعبُ وأكبَرُ ضَرَرًا مِن الْتقاءِ الْفِئَتَيْنِ قِتالًا.
ولِلمُتَخَصِّصِينَ فِـي الدراسات الأمنيّةِ والعسكَرِيّةِ أُقَدِّمُ القراءاتِ التاليَةَ:
ـ هذا الحِصارُ بِقَطْعِ طريقِ معبر الكركرات عن أبناءِ العمومة ومَن وراءهم مِن الشعوب لَـمْ يَكُن ارتجالِيًا ولا مُبادرةً فرديّة معزولةً بل تَـمَّ بتخْطِيطٍ وإمدادٍ مِن قيادتَـيِ البوليزاريو السياسية والعسكريّة وبضمانٍ مِن شياطينِ مَا وراء الحدود وتغطيتِهم، بِقَرِينة الإعلان عن أهدافِ قَطْعِ الطَّريقِ الدَّولي التجاري المدني السِّلْمِـيِّ الاستراتيجيّة القريبة والمتوسِّطةِ والبعيدةِ، فكيفَ تمكَّن الجيش المغربي مِن السيطرةِ على الْـمُحاصِرين وإبعادِهم فِـي لحظاتٍ ولكأنَّـما انشقَّتْ الأرضُ الصخريّة وابتلعتْهم.
ـ ما مبلغُ الرُّعْبِ الذِي أصابَ الْـمُحاصِرِينَ الـمُتَحَصِّنِينَ فـي خِيامِهم فلـمْ تمتدَّ أيدِيهِم إلـى أسلحتِهم لِيُثْـخِنُوا كَتِيبَةً مغربية مُهاجمةً أو لِيَرْمُوا الحُدُودَ المُوريتانية بالنيران لِإِجهاضِ النصرِ المغْرِبِـيّ بفبركَةِ اعتداء القوات المغربيّة على الجانب الموريتانـي.
ـ أجزِمُ بأنَّ الكتيبةَ المغربيّة لَـمْ تَكُنْ مُسَلَّـحَة وبأنَّ عمليّة تطهيرِ الكركرات وفكِّ حِصارِها كانت مُصوَّرةً لِتَفَادِي اتِّهامات تنسِفُ الإنجازَ الكبيرَ العظيمَ، والدَّليلُ الْـمادِّي على صِحّةِ هذه القراءة هو قُوَّةُ تَـمَاسُكِ السياسة المغربية الحكيمة التي سَـمَحَتْ مِن قَبْلُ لقادَةِ البوليزاريو مِن أمثالِ السيّدة (أمِنتُو حيْدَارْ) بِزِيارةِ الداخلة والعيون وغيرِهما والسَّـماحِ لَـهم بصِلَةِ الأرحامِ والاحتكاك بساكنةِ الصحراء، ولنا أن نتصوَّرَ الاعتقالَ والسَّـحْلَ والتعذِيبَ والقَتْلَ صبْرًا بالجوع والإهمال لو أنَّ أحدَ الصحراوِيِّينَ الأوْفِياءَ في كلميم والطانطان وغيرِهما قامَ بِزِيارة مخيَّماتِ هَدْرِ كرامةِ الإنسانِ لصِلَةِ رَحِمِهِ أو لِلاطلاعِ على أحوالِـها.
ـ إنَّ إنْـجازَ تَطْهيرِ معبر الكركرات سِلْـمِيًّا لَعَمَلِيَّةٌ نَوْعِيّةٌ حَضارِيّةٌ راقِيَةٌ يستحِقُّ المشْرِفونَ عليها والْـمُبَاشِرُونَ لها في الميدان الاحترامَ والتقديرَ مِن قادَةِ البوليزاريو ومِن رَهائِنِ الْـمُخيَّماتِ الذين لم يتلَقَّوُا الخبَرَ بإضافَةِ أرقامٍ جديدة مِن الأرامِلِ واليتامَى والثَّكالَى، وتستحِقُّ الاحترام والتقديرَ والْمُكافأةَ مِنَ المملكة المغربيّة مَلِكًا وشعْبًا وحكومةً، وما على أحَدٍ مِن الكتيبةَ الْـمُلْتَزِمةَ ماذا فَعَلَ بَعدَها لِسَابِقَتِهِ الْـحَسَنَةِ.
ـ قدْ عَلِمْنَا رَأْيَ العَيْنِ مِن خِلَالِ شَاشَاتِ التِّلْفَازِ مَدَى التدمِيرِ وسَفْكِ الدِّماءِ لاعتقالِ فرْدٍ أو فَرْدَيْنِ مِنَ المطلوبينَ أمنيًّا تحصَّنَا في حَيٍّ سَكَنِيٍّ في أوروبا أو أمريكا أو الخليج، وفـي الْـمُقابِلِ رَأَيْنَا كَيْفَ يَتِمُّ ذَلِكَ فِـي المملكة المغربيّة بسلاسة وَمِن دونِ اعتِداءٍ على المطلوبين أمنيًّا ولا على الساكَنة الشعبية المجاوِرَة.
ـ وفي الختام أتوَقَّعُ أنَّ العمليّة السِّلْمِيّة أُنْجِزَتْ بِـمَكْرٍ أمْنِـيٍّ كُبَّارٍ مِن خِلَالِ اختراقِ هَواتِفِ مَرْجِعِيَّاتِ الْـمُحاصِرِينَ ولإصْدارِ تعليمات بالانسحاب فورا ومِن دون طلقَةِ نارٍ وحسَبَ الخُطَّةِ التـي رَسَمَهَا القادةُ العسكريون المغاربة ويتلقّاها قُطَّاعُ الطُّرُقِ على أنَّها تعليمات رُؤَسائِهم.
——-
(*) باحث في تأصيلِ القراءات والتفسير وفقه المرحلة.
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات