قرار “البرقع” وصمت السلطات..إستراتيجية أم عبث؟؟
إبراهيم الطالب-هوية بريس
لازالت تداعيات قرار منع بيع البرقع تتناسل وتتنوع وتتكاثر، فقد تلاه حراك قوي استمر إلى كتابة هذه الأسطر، تكلمت الصحافة والفكر والعلم، القلم والصورة، السياسي والحقوقي، النخبة وعوام الناس، الرسمي والشعبي، الوثائقي والإخباري، العلماني والإسلامي، العرائض والبلاغات، التصريحات والتلميحات، كل آليات وأشكال التواصل تناولت الحدث وكل الأطياف تحدثت.
كل هذا الصخب والضجيج، وكل هذا الحراك والتفاعل قوبل من طرف “بطل” الفيلم: السلطات المغربية بالتجاهل، بالسكون المريب كسكون المقابر.
فلماذا هذا الصمت؟
وهل يمكن تفسيره؟
وهل يمكن أن يقبل من الناحية السياسية تجاهل كل هذا الحراك؟
فلو كان الحراك داخل الحدود، لكان هذا السلوك الفج مقبولا بالنظر إلى الأسلوب الذي تتعامل به السلطات مع الشعب، لكن عندما يتدخل في الموضوع حزب فرنسي متطرف، ويشجع القرار ويطالب بالمضي قدما نحو المزيد من التضييق والتحرش بما هو إسلامي، ثم لا تكلف وزارة داخليتنا نفسها إطلالة تفسر من خلالها قرارها المجنون، وتسكّن المغاربة الذين روع ضمائرهم تدخل بلادهم التعسفي في أحد أهم خصوصياتهم الدينية والإجتماعية، فهذا لا يمكن قبوله، ولا يمت بصلة إلى الرشد السياسي الذي يلزم الدولة بالتوضيح والبيان والتفسير.
حزب اليمين المتطرف الذي يدعو إلى طرد المغاربة، وينشر الكراهية والحقد بين الفرنسيين والمسلمين، ويذكي الصراع الطائفي في فرنسا، وينشر “الإسلاموفوبيا”، حتى يُضيق على الوجود الإسلامي في فرنسا، التي أصبح أبناؤها يدخلون في الإسلام أفواجا أفواجا، هذا الحزب يخاطب السلطات المغربية مشجعا على قرارها، واصفا فعلها بـ”الصرامة” في مكافحة “الأسلمة”، ثم تقابل سلطاتنا تصريحاته بالصمت، فهل هذا الصمت إقرارا منها له على قراءته الصريحة لقرارها؟؟؟
أم هو تجنب للخوض في موضوع، لن يرجع الكلام فيه على الدولة إلا بالخسائر؟؟
حزب اليمين المتطرف الذي ترأسه “ماري لوبن” ينتشي لتماهي السلطات المغربية معه في توجهه المعادي للوجود الإسلامي في فرنسا، ورأى في قرار الدولة بمنع بيع البرقع دليلا على صحة نظرته المتطرفة إلى التدين الإسلامي الذي أصبح يجتاح الشعب الفرنسي، فدبج بلاغا عبّر فيه عن موقفه، يقول البلاغ: “مرة أخرى، يأتينا مثال من بلد مسلم على الحزم في مكافحة آفة الإسلامية، بعيدا عن الشعور بالذنب والاعتبارات الإيديولوجية التي تشل المسؤولين السياسيين من اليسار إلى اليمين من خلال سياسة تيسيرية معقولة”.
“مكافحة آفة الإسلامية” عبارة مفتاحية تختزل وضع العالم الغربي وموقفه من الإسلاميين ورجوع الشعوب إلى الإسلام وشرائعه، لكن مع اختزالها، فهي تفسر -دون إخلال- موقف الدول الإسلامية من رجوع الشعوب إلى التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية، وإصرارها على التمييز القسري بين الإسلاميين والمسلمين، وذلك بشيطنتهم حتى تُضعف قوتهم السياسية وحضورهم المجتمعي.
“مكافحة آفة الإسلامية” شعار ترفعه أمريكا وفرنسا ومعها أوربا ومصر السيسي، وحزب التحكم العماري، فهل يمكن أن نكذب كل هذه القرائن والتصريحات ونخرج قرار السلطات بمنع بيع النقاب من سياقه هذا معتبرين إياه -كما يقول البعض- مجرد محاولة من الدولة لصرف انتباه الشعب عن “البلوكاج” السياسي؟
إن صمت السلطات أمام كل هذا التفاعل الوطني والدولي مع قرارها، يمكن تفسيره حسب رأيي بثلاثة أمور:
1- بأنها -أي الدولة- منخرطة في “مكافحة آفة الإسلامية” وتصرِّف هذه المكافحة من خلال إجراءات منسجمة منتظمة في سلك واحد تتتابع في التنزيل بشكل مضطرد، وعند تجميعها يظهر لك أنها -فعلا- إستراتيجية محكمة لمكافحة “آفة الإسلامية”.
2- بأنها –أي الدولة- محرجة، لا تستطيع أن تفسر قرارها ولا أن تتراجع عنه، فإن هي فسرته وأيدته واستمرت في التشبت به، استفزت شرائح واسعة من المغاربة بل كل المغاربة لأنه مساس بواحدة من أهم خصوصياتهم الدينية والاجتماعية؛ وإن هي تراجعت عن القرار ظهرت بمظهر الضعيف وأعطت قوة للمعارضة الشعبية، وهي سنة لا تريد بحال أن تحدثها في المجال السياسي المغربي
3- أنها -أي الدولة- تريد صرف انتباه الشعب عن هذا “البلوكاج” السياسي الذي يعتبر وطنيا ودوليا مهزلة المهازل، وفضيحة الفضائح، بحيث تريد أن تستغل الوضع السياسي المعطل والذي يعفيها من المساءلة أمام البرلمان، وتضع الحزب “الإسلامي” بين خيارين أحلاهما علقم، إما التدخل في الموضوع فتتحول القضية من قضية سياسية كلية محرجة للدولة، إلى قضية جزئية فرعية تهم اللباس والحريّة وحق من حقوق الإنسان، وبذلك تشغب على الشعب الذي يراقب حالة “التجميد والفرملة” التي تستنزف العمر السياسي لولاية حكومية انتخب لها من يثق فيه، مما يضيق المجال الزمني لتنزيل حزب العدالة والتنمية كقائد الحكومة لمشاريعه الإصلاحية واستكمال ما بدأه في الولاية المنصرمة.
التفسيرات الثلاثة يوجد رابع لها، ويتمثل في العبث السياسي والتدبيري لقضايا الشعب المغربي، والذي يعكس مدى احترام دولتنا السعيدة للإنسان المغربي، ومدى صيانتها لحقوقه وحرياته.
مع العلم أنه لا يلزم قصر تفسير سلوك الدولة في قضية النقاب على عنصر واحد من العناصر المذكورة، بل تجتمع كل هذه التفسيرات وتتضافر لتشكل نظرة تفسيرية متعددة الزوايا لموقف الدولة من “آفة الإسلامية”، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار القاسم المشترك بين “البلوكاج” الموجه ضد التواجد الإسلامي في الشأن السياسي، وبين قرار منع بيع النقاب الموجه ضد زي الإسلاميين، مع استصحاب الشعارات التي كتبتها السلطات المغربية للمشاركين في المسيرة اللقيطة التي عرفتها الدار البيضاء قبيل الانتخابات التي شهدت بدورها -وبالعلالي- محاربة للإسلاميين بالمال والسلطة والجاه
إن على الدولة أن تتصرف بحكمة بالغة في قابل الأيام، فالعالم يغلي من حولنا ويموج موجا لا ندري على أي وضع سيستقر، لذا على دولتنا السعيدة أن تعيد مقاربتها في معالجة إشكالية ما اعتبره اليمين المتطرف الفرنسي “آفة الإسلامية”، فلا أظن أن رجوع الشعب لإسلامه وممارسته لإسلاميته يعتبر آفة، إلا بالنسبة للغرب ومن تتماها مصالحه مع مصالح الغرب.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
أحسنت التوصيف…لا فض فوك ولا كسر قلمك..
يا سيدي ابراهيم، انا شخصيا وان كنت شديد الغيرة على ديني كما هو حال كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، فاني افرح كثيرا بمثل هذه التصرفات الهوجاء التي تستهدف الدين والعرض والثوابت الاسلامية، أتدري لماذا ؟
لسبب بسيط، وهو أن التاريخ يعلمنا ان الاسلام ينتصر انتصارا كبيرا حين يعادى ويحارب ويهمش ويستهزأ به، وان كانت هذه العاقبة الحميدة دونها فتن كقطع الليل المظلم ودماء كثيرة وهلاك شامل، ولكن العاقبة للمتقين، وتأمل هذه السنة الكونية العظيمة الواردة في سورة الاسراء (وإذا اردنا ان نهلك قرية
1- امرنا مترفيها
2- ففسقوا فيها
3- فحق عليها القول
4- فدمرناها تدميرا