كلمة السر في أصيلا
هوية بريس – د.خالد الصمدي
لدروب هذه المدينة الصغيرة التي تحيط بها اسوار برتغالية شاهقة في ذاكرتي منذ الطفولة رسوم لا تنسى.
أخرج من بيت الجدة بزنقة برصيصات للعب أمام طيقان دلبحر إلى القريقية مرورا بقصر الريسوني، نلهوا فوق أسوار وقطع من التاريخ لا تقدر بثمن، تعود الى مآت السنين دون شعور.
إنها مدينة الأسوار، والألوان والأسرار، وكؤوس الشاي في مقهى ازريرق صباحا، حيث تتقاطع أحلام قصيرة لصيادي السمك لا تتجاوز نهاية اليوم، بأحلام بعيدة لبعض المبدعين الذين لم تستوعب مقاعد الدراسة مواهبهم، فغادروا جدرانها مبكرا الى فضاء لا حدود له حيث القلم والريشة والألوان والأشعار والألحان، فصنعوا مستقبل مدينة أطبقت رائحة ألوانها الممزوجة برذاذ البحر كل الآفاق.
استرجعت هذه الذكريات بعد ما عثرت في أرشيف جدتي رحمها الله وأكرم مثواها على هذه الصورة العفوية التي التقطتها كاميرا من الزمن الجميل بأحد مداخل المدينة، حيث تعود رفقة الوالدة أطال الله في عمرها بعد جولة صباحية قصيرة في سوق أصيلة التقليدي بعبقه الاندلسي البرتغالي حيث يوجد الجبن والزيتون البلدي الممزوج بدعاء البدويات.
هذه الصورة تختزل ثقافة مدينة ذات تاريخ عريق برمزيات دينية وحضارية مكثفة.
رحم الله الجدة الحاجة فاطمة الشنتوف، فقد كان بيتها العتيق مفتوحا للجميع فيه تكون المشاورات، وبه تعقد الخطوبات، وبالدخول إليه والخروج منه تنتهي الخصومات، وهو مقر احتفالات المولديات، وموئل الفقراء في المناسبات.
هكذا سكنت الحكيمة قلوب كل من يقطن دروب وأزقة المدينة القديمة، فكنا نشعر ونحن في زيارتها أطفالا صغارا بترحيب خاص من طرف الجميع لأننا “أولاد بنت الحاجة” وأن هذه الصفة كانت وحدها كلمة السر التي ندخل بها بيتا كبيرا إسمه أصيلا.