كلنا علمانيون: خرجة غير موفقة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التوفيق
هوية بريس – أحمد الشقيري الديني
في أغرب تصريح له زعم التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب أمام البرلمان أن المغاربة علمانيون وأنه أبهر بتصريحه هذا وزير الداخلية الفرنسي إبان زيارته الأخيرة للمغرب..!
لكن هل انتبه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أنه بتصريحه ذاك يصادم الدستور المغربي ومؤسسة إمارة المؤمنين حين ينزع صفة الإسلامية عن الدولة وينعتها بأنها دولة علمانية مستشهدا بأن المغاربة لم يعودوا يتحاكمون لقانون ما قبل 1905 يعني بذلك استبدالهم أحكام الشريعة بالقوانين الفرنسية التي وضعها المستعمر في الإدارة والقضاء ومؤسسات الدولة..!
ونحن ننبه السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى جملة مثباط وقع فيها بتصريحه ذاك أمام المسؤول الفرنسي كما صرح بها ايضا في قبة البرلمان مزهوا بمحاجته لوزير الداخليه الفرنسي حين استغرب هذا الأخير شعور المغاربة بالصدمة تجاه العلمانية..!
أقول وبالله التوفيق:
*أولا: إن السيد الوزير بحكم اختصاصه التاريخي أعلم الناس بأن النظام المغربي ضارب بجذوره في عمق التاريخ الإسلامي، لم تجر عليه عوامل التعرية أو الضعف التي أصابت معظم أقطار البلاد الإسلامية التي خضع بعضها للعلمنة القسرية وإزاحة أحكام الشريعة، كما حصل في تركيا وتونس وإيران/الشاه ، وبعضها الآخر خضع لانقلابات عسكرية قطعها عن جذورها الإسلامية، مثل الجزائر وليبيا ومصر..إلخ
*ثانياً: نعت المغاربة بأنهم علمانيون يعني أنهم يرفضون إمارة المؤمنين، لأن العلمانية مناقضة لوجود حاكم يستمد شرعيته من البيعة الدينية، وهذا ما جعل وزير الداخلية الفرنسي يستغرب من تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي يدل وجوده هو نفسه في الحكومة على إسلاميتها..
*ثالثاً: التحاكم لقوانين وضعية فرضها الاستعمار إبان احتلاله أرضنا لا يعني أننا راضون بها، بل كل مسلم لايصح إسلامه حتى يرتضي حكم الله ورسوله ولا يفضل عليه غيره مصداقا لقوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
*رابعاً: إن من شأن مثل هذه التصريحات الصادرة عن مسؤول في الدولة توكل إليه مهمة السهر على الأمن الروحي للمغاربة أن تذكي نزعة التطرف الديني لدى الشباب ذو الثقافة الدينية المتواضعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر . ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . رواه ابن جرير .
ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب..
فنحن من ضرورات استكمالنا الاستقلال الفكري والثقافي أن نحقق العودة لمبادئ ديننا الحنيف السمح بأحكامه وتشريعاته..
*خامسا: هناك تيار إسلامي سياسي بالمغرب قام بمراجعات منذ زمن مبكر حول نظام الدولة بالمغرب الذي اكتشف أنه يستمد شرعيته من الدين الإسلامي والبيعة الشرعية، وبالتالي لا مجال لمنازعته الشرعية بزعم المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية..
وتصريحكم السيد الوزير هذا يقلب الطاولة على هكذا اجتهاد ويجعله غير ذي جذوى..
في حواره الأخير مع صحفي الجزيرة يقول الأستاذ بنكيران رئيس الحكومة لولايتين سابقتين وهو يقارن بين الحركة الإسلامية بالمغرب ونظيرتها بالمشرق: (الحركة الإسلامية في الشرق نشأت على أساس استعادة الخلافة، ونحن في المغرب لم نكن تابعين للخلافة المشرقية، كنا بلدا مستقلا خليفته فيه.
وخلافتنا ترجع إلى 12 قرنا؛ من عهد مولاي إدريس رحمه الله والمغاربة مجتمعون على السلاطين أو الأمراء -سمهم ما شئت- الذين جاؤونا..)
*وأخيراً نذكر السيد الوزير أن هناك صراع علماني/إسلامي بالبلد تدور رحاه حول ما تبقى من أحكام هذه الشريعة تتعلق بالأسرة يراد تحريفها أو تبديلها بأحكام وضعية تناقض أحكام الإرث أو تبيح العلاقات الرضائية أو الشذود الجنسي، والمنتظر من وزير الأوقاف أن يقف في مقدمة من يدافع عن حرمة الشريعة كما فعل سلفه الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله عندما بلى البلاء الحسن في مواجهة الانحراف الذي واكب تنزيل خطة إدماج المرأة مطلع القرن الجاري..وقسم المجتمع المغربي بين فريقين كانت تجلياته في مسيرتين كبيرتين بالرباط..حتى حسم أمير المؤمنين الأمر بتشكيل لجنة من العلماء ورجال القانون للنظر في ما يقبل الاجتهاد مذكرا دائما حفظه الله بأنه لايسمح بتحريم ما أحله الله أو إباحة ما حرمه الله..