لماذا القراءة؟

24 مايو 2024 19:45

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

من الفوائد الرئيسة والبدهية، التي تمدنا بها معارض الكتب عادة، أنها تمكننا من إعادة طرح سؤال القراءة، بنفس يفترض أن يحمل معه عناصر جديدة. وإذا استحضرنا بعض مجريات معرض الكتاب الأخير، الذي شهدته بلادنا، وفي علاقة بالحدث الذي أثاره الكاتب السعودي (أسامة مسلم )، فإن السؤال عن جدوى القراءة، يتخذ مجرى آخر، ويجعلنا نفكر مليا في كل الأجوبة التي يمكن أن نطمئن إليها، كما يضعنا أمام السؤال المقابل والعصي: ماذا يعني أن أكون قارئا ؟. مبدئيا، القراءة فعل ثقافي، يتضمن بالضرورة معنيين:

_ الأول، شكلي مباشر، ويهم امتلاك القدرة على فك رموز الكلمات والعبارات، والتمكن من قراءتها وفهمها، في صورتها الأولى، وحالتها الظاهرة.

_الثاني، وهو الأهم والأعمق، ويعني القدرة على النفاذ إلى مكنون العبارات، واقتحام مجاهل الكلمات والرموز، وإعادة تدوير صيغها وتراكيبها، بما يؤدي إلى توليد المزيد من المعاني والأسئلة، وبما يفيد، في النهاية،  في بلورة وجهة نظر معينة. وإذا كانت معارض الكتب تساهم في توسيع دائرة القراء بالمعنى الشكلي والظاهري للكلمة، بما يعني المزيد من الإقبال على القراءة، في صورتها البسيطة، فإن غاية هذه المعارض، الأهم والأعمق والأبعد، تكون بالضرورة، هي صناعة المواطن القارئ، الذي يؤمن بفعل القراءة، ويعتبرها جزءا من حيواته اليومية، وطقوسه التي تبرر وجوده ؛ قارئ بالفعل، وليس مجرد مفكك للحروف ؛ قارئ يبحث باستمرار، عن رأيه الخاص والشخصي، الذي يصنعه صنعا، ويبنيه ويتعهده، يوما بيوم، وفكرة بفكرة، وكتابا بكتاب ؛ بكل الإستقلال الممكن، وعن كل السلط والمظاهر والبهرجات العابرة ؛ وبكل الإحترام والتقدير لكل المخالفين لوجهته، والمعارضين لرأيه. إن القراءة بلا أثر واضح  يرجى، في واقع الشخص القارئ، ليست هي القراءة، وإن القراءة بلا رؤية ووجهة وفكرة، يتم الدفاع عنها، ليست هي القراءة، وإن القراءة بلا وضوح في الرأي والمنهج، ليست هي القراءة، وإن القراءة بلا رغبة في التغيير نحو التقدم بهذا الإنسان، وبهذا الوطن، ليست هي القراءة، وإن القراءة، لتغذية التفاهات والنفخ في الذوات والترهات، ليست هي القراءة، وإن القراءة لتسييد الرداءة، وتبجيل التسطيح والغوغاء، ليست هي القراءة، وإن القراءة لدغدغة الأنانيات، والبحث عن شهرة مصطنعة، غير مستحقة،  ليست هي القراءة. من أجل كل هذا كانت القراءة وستبقى من أعظم الأفعال وأجلها، التي تصنع للحياة معناها الآخر، بعيدا عن كل الشبهات وألوان البهرجات الفارغة، ومن أجل كل هذا، كانت القراءة وستبقى، مصاحبة عاشقة، شاقة ولذيذة، لأمهات الكتب، ولأصول السرديات والمباحث الكبرى، التي امتلكت جرأة اقتحام المجاهل، وحازت إرادة بعث الأسئلة، التي تصنع للبشرية أقدارها الأخرى، وتدفعها دفعا نحو النهوض والتقدم. من أجل كل هذا، ينتظر من معارض الكتب، أن تمثل لحظة ثقافية خالصة  وفارقة، ينبعث فيها سؤال القراءة، بكل شقاوته وحدته، ورهاناته ومآزقه، التي تعنينا حقيقة، نحن الذين نحوز باستمرار أدنى المراتب، على هذا المستوى، ولا ندري كيف نحصل الكفايات الأساس. وبكل تأكيد، لا يمكن أن يحصل هذا، إلا حين تحتضن المعارض أسئلتها الثقافية، وحين لا تتحول إلى مناسبة لأشياء أخرى.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M