تقرير يكشف تورط فرنسا في التخطيط لمجزرة مروعة في السنغال

هوية بريس – متابعات
كشفت نتائج بحث تاريخي جديد أن مجزرة “ثياروي” التي ارتكبتها القوات الاستعمارية الفرنسية سنة 1944 ضد جنود أفارقة قاتلوا لصالح فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن حادثًا عرضيًا كما رُوّج له لعقود، بل عملية مدبرة ومخططًا لها بعناية تم التستر عليها داخل الأرشيفات العسكرية الفرنسية.
ضحايا المجزرة أكثر من 400 جندي
وبحسب تقرير من 301 صفحة قُدّم إلى الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، فإن عدد الضحايا الحقيقي يتراوح بين 300 و400 قتيل، أي ما يفوق بكثير الرقم الرسمي الفرنسي الذي لم يتجاوز 35 قتيلاً.
وأعدّ التقرير فريق من الباحثين بقيادة المؤرخ مامادو ديوف، مؤكّدًا أن الإحصاءات الرسمية كانت “زائفة ومتناقضة عمدًا”، وأن “أكثر من 400 جندي اختفوا وكأنهم لم يوجدوا قط”.
دعوة لاعتذار رسمي من فرنسا
وطالب التقرير فرنسا بـتقديم اعتذار رسمي عن الجريمة، مشيرًا إلى أن “السلطات الاستعمارية تعمّدت إخفاء الحقائق ودفنها وسط كمّ هائل من الوثائق الإدارية والعسكرية”.
كما دعا إلى عرض القضية على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لاعتبار مجزرة ثياروي “انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان” في حق الجنود الأفارقة الذين جُندوا قسرًا للدفاع عن فرنسا ثم قُتلوا على أرضهم.
خلفيات الجريمة
تعود أحداث المجزرة إلى الأول من دجنبر سنة 1944، حين فتحت القوات الفرنسية النار على جنود أفارقة في معسكر ثياروي قرب العاصمة دكار، بعد مطالبتهم بحقوقهم المالية ومساواتهم بالجنود البيض.
وكان هؤلاء الجنود — وعددهم نحو 1300 من دول غرب إفريقيا — قد أُسروا من طرف القوات الألمانية خلال الحرب، ثم أعيدوا إلى السنغال بعد نهاية المعارك.
ويؤكد التقرير أن العملية كانت تهدف إلى ترسيخ هيبة النظام الاستعماري الفرنسي ومنع أي نزعة تحررية قد تلهم شعوب إفريقيا بعد الحرب، مضيفًا أن “الجنود لم يكونوا مسلحين، ولم يصدر عنهم أي فعل مقاومة”.
تستر ممنهج وطمس للحقائق
وأشار التقرير إلى أن السلطات الفرنسية تلاعبت بسجلات الجنود، وغيرت بيانات مغادرتهم من فرنسا ووصولهم إلى دكار، كما عبثت بالأرشيفات العسكرية لمنع الوصول إلى الحقائق.
وأوضح الباحثون أن “بعض الأرشيفات تم تزويرها أو إتلافها بالكامل”، فيما نُقلت وثائق حاسمة إلى فرنسا، ما جعل الوصول إلى الحقيقة في السنغال “شبه مستحيل”.
ورغم تعاون محدود من الأرشيف الفرنسي، أكد فريق البحث أنه واجه “جدارًا من الغموض والمراوغة” في الإجابة على الأسئلة الحساسة حول المجزرة.
مطلب الذاكرة والإنصاف
وشدّد التقرير على أن ما حدث في “ثياروي” لا يمثل مجرد واقعة تاريخية، بل جريمة استعمارية جماعية تستوجب اعترافًا رسميًا واعتذارًا علنيًا من فرنسا للشعوب الإفريقية التي دفعت ثمن الولاء القسري للإمبراطورية الاستعمارية.
كما أوصى التقرير بإحياء ذكرى الضحايا وتخليد أسمائهم في المناهج التعليمية والمواقع التذكارية، باعتبارهم رمزًا للكرامة المهدورة والذاكرة الإفريقية المنسية.



