معذرة أخي مصطفى الحسناوي: لا تنقض المهاترات الفكرية عرى الإيمان…
هوية بريس – محمد بوقنطار
ابتداء لابد من توضيح مفاده أنني لطالما رَبِئْتُ بنفسي وأنخت بركبها بعيدا عن التعرض للعين المعلومة بالاسم والرسم، وكنت وما زلت أفضل الكلام والتعرض للحالة فذلك أسلم وأحكم وأقوم وأقرب للتقوى، وهذا دأب له مستفاد من قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم حالة الغضب : “ما بال أقوام”، ولو أن أخي مصطفى الحسناوي أوصد عليه بابه باكيا مع شكه على موبقته، مجنبا الناس خاصتهم قبل عامتهم فتنته في دينه، لكان ذلك مدعاة لتناصح السر لا تفاضح العلن، ولكنه ـ وهو من هو ـ يكاد يكون في تأثيره حول محيطه من المتعاطفين معه، والمتابعين لسكك ودروب حياته، المتذوقين لمرارة سجنه سابقا يوما بيوم، الخابرين عن قرب لاءاته وابتلاءاته القديمة، كتأثير الشيخ الطرقي في مريديه علا شأنهم الدنيوي أو تسفّل، وربما كانت الإساءة بذكر الاسم هنا من باب الإحسان إلى المخالف وحسن تبعله بلسان الحق، ودرءا لانتقال العدوى، وقد تُعدي الصحاح مبارك الجُرب، نسأل الله أن يهدينا وإياه إلى سبيله المستقيم، فلسنا ولن نكون بفضل الله ممن يحجر واسع جنات عدن، أو يرفع شارات المرور ذات اليمين وذات الشمال فإن ذلك محض غرور وتأل على الله تلبّست به أقوام فخابت وخاب مسعى تمننها على الخلق والخالق…
لا يزال يقض مضجعي، ويؤرقني ويؤلمني حد الخشية والخوف على نفسي كلما استشرفت غيب خواتم العمر فلا احتمال في الأمر مرجوح، ولا شك أن ذلك من بقايا الإيمان متى ما سارع المرء لدفعه ووأد استهلاله وقطع دابر دندنته ووسوسته النفسية للتو دون التمادي مع خطراته حد الشك والريبة فالردة، وإنما كان دفع ما يحصل من وسوسة وارد طيفها، يجب أن يكون أو ينبعث من حضن الاعتقاد الإيماني الراسخ في كون أن الأمن من مكر الله ناقل عن الملة، كما اليأس من روح الله.
نعم كم يؤلمني ويضرم في جوفي جمر الخيبة تكاد لا تبارحني حية جذعة، كلما تذكرت بالإكراه الأدبي هذا الارتداد التديني خاصة خاصة متى ما كان من قريب صاحبته أيام الطلب، وتذوقت معه سويا طعم الإيمان والتسابق في مضمار ولحاق المسارعة في الخيرات، أو كنت قريبا من سيرته اسما ورسما، أعرف له فضله متأثرا، وربما ناظرا لكينونتي باستصغار وازدراء في مقابل البعض من مبادئه ومواقفه التي صمد فيها ولم يُغيِّر أو يبدل ولم يستبدل الأدنى بالذي هو خير، وربما كان الواحد منّا وقد تناهى إلى سمعه حجم الابتلاء والقَدَرَة التي عاشها أخونا الحسناوي يفزع إلى التضرع متوجسا خيفة من الامتحان داعيا الله أن يجعلنا من أصحاب الحظوظ العظيمة وأهل الامتنان لا الامتحان، نعم كان الأستاذ مصطفى من القلة التي لم تغيّر جلدها ولم تفضل بقل التراب على روح وعظم المبدإ والجناب، لحظات لا زلت أجتر كوابيس مآسيها بقلب مكلوم عامر بالحزن والحسرة.
يا الله كيف تتهافت هذه الهامات وتذل لغير الله هذه النواصي وتلك الباحات، يا ترى ما السبب في هذه الاستحالة وهذا الدبغ؟
وكيف لرجل تربى في محاضن الإيمان من مهد الأسرة الشرقية المحافظة “مدينة ميسور”، فالمدرسة المغربية المسلمة الطاقم والبنية، فلوح القرآن ودوره وترداد التلاوة، أن يرتمي فجأة دون طول مقدمات في أحضان الإلحاد والشك المنقلب على كل شيء له صلة بوحي السماء وميراث النبوات؟
بت مكتئبا مصدوما حال توصلي بذلك الفيلم القصير الذيل، الطويل الليل، السحيق الميل، الذي خرج من خلاله الأستاذ مصطفى الحسناوي يشرح فيه كيف انتقل أو انقلب تحت وطأة فصام نكد مارسته عليه عملية اجترار بعض الأسئلة التي تدفع عقلا ونقلا بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والنظر إلى كيده وأنها من رحمة الله مجرد وسوسة، فُصام مارسه عليه ذلك التناوش بين رجلين كلاهما يمثل اتجاها عقديا وسلوكيا وفقهيا يفزع في كثير من لحظات التقائه إلى الصراع والتضاد والمغالبة بالجفوة والفظاظة، ودعوى استئثار الحق المطلق والفوز بمكرمة الانتماء إلى الفرقة الناجية وحظوة مسمى أهل السنة والجماعة…
على أية حال يبقى من واجب النصح لأخينا الوقوف المشوب بلحظاته الثقيلة لتأمل ما استشفع به أخونا بين يدي مروقه إن جاز التعبير، وكان كما ذكر واستحضره بالصوت والصورة ذلك المشهد الذي يؤرخ لفصل من فصول ذلك التنابز وتلك المعركة الدامية أخلاقيا بين طرفين ربما اختلفت الوسيلة وتباين المنطلق ولكن الدفع والوجهة واحدة، والسؤال هنا يحيل على سر التأثر الذي نال أخانا مصطفى بالوكالة عن الدكتور الأزهري عبد الله رشدي، وهو تأثر متى ما كان صادقا حصل معه لازمه الذي مفاده انتقال الأستاذ مصطفى للتلبس بمعتقد وسلوك وإيمان وفقه الدكتور عبد الله رشدي، فلماذا قادته هذه الخصومة اللجوجة بين طرفين كلاهما له حظه من الإيمان والغيرة على عرى الإسلام، إلى الانسلاخ عن معهود ما عرف عن الأستاذ الحسناوي من تديّن وزيادة وغيرة وفرط مشاعر ربما فاقت في غير انضباط الشيخ العدوي نفسه.
وكم يعجب المرء مما ساقه الأستاذ مصطفى من شبهة ربما جاز لصانعي الأفلام الكرتونية إثارتها بإمتاع دون إقناع في وجه الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بعد، فكيف به وقد بلغ أشده واستوى زرع فكره على سوقه أو هكذا كنا نتصوّر، أن يناقش قضية العلو ورفع أكف الموحدين فزعا إلى من في السماء بتلك الشنشنة التي يعرفها ـ هو قبلي وقبل غيره ـ من أخزم، لقد كان الأستاذ الحسناوي إلى العهد القريب قبل توجهه إلى صقيع القارة الشقراء يعتقد أو هكذا تعلّم أن الكرسي موضع قدمي الرحمن جل في علاه وأن الكرسي ـ بنص الآية القرآنية بل أعظم آية نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ قد وسع السماوات والأرض، وأن الرحمن على العرش استوى ، وأن مثل الكرسي والعرش كمثل حلقة ملقاة في فلاة كما جاء في الحديث الصحيح فعن أبي ذر الغفاري قَالَ: “قلتُ للنبي محمد : يا رسولَ اللهِ أيما أنزلَ عليكَ أعظمُ ، قال : آيةُ الكرسي ، ثم قال : يا أبا ذرّ ما السمواتُ السبعُ مع الكرسِي إلا كحلَقةٍ ملقاةٍ بأرضِ فلاةٍ ، وفضلُ العرشِ على الكرسِي كفضلِ الفلاةِ على الحلقةِ” وهذا غيب لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، ولست أدري كيف في ظل هذه العظمة وتصديق حقائقها ابتداء أن يتصور الأستاذ مصطفى بمخيلة مغموسة في الشك فردا في القطب الشمالي يقابله فرد في القطب الجنوبي ويجانبه ثالث في مشرق الأرض يقابله رابع في مغربها وقد رفع الكل سبابته إلى السماء، ليتم الاستدراك بكون هذا يشير إلى الأعلى في مقابل إشارة مقابله إلى جهة السفل وهكذا، ثم يخرج المرء بمجرد هذا التوهم منسلخا عن دينه متوسدا درك اللاإيمان، شاكا في القرآن، ذلك الكتاب الذي وسمه مولاه بأنه لا ريب فيه، وأنه هدى للمتقين، الذين من علامات ومئنات تقواهم الإيمان بالغيب، ذلك الكتاب الهادي إلى التي هي أقوم…
وكم يزيد العجب ومنسوب الحيرة عندما ترى هذا القرآن يمارس سطوته الإيمانية على السادر ذي اللسان الأعجمي، فتراه ـ وهو الذي لا يعرف من اللغة إلا اسمها ومن الحروف لا رسمها ـ يستسلم لتلاوة حرفه فيدخل هو وغيره من الكبراء فكرا وثقافة وعلما دنيويا في دين الله أفواجا، ثم تترادف الأخبار وهذا الفوج والوافد إلى القلعة الخضراء يتقلب بين نعيم تلاوة المبنى وسعادة فقه المعنى من مراد الله ورسوله، يا للعجب، كيف تتردد نفوس تشربت شيئا من الكبرياء الثقافي وأخلدت إلى نبوغها الذهني هنا فتمتلئ شكا وريبا سرعان ما ينقلب إلى حقد ومدافعة عن الباطل وأهله، في الوقت الذي لا يزال يحسن إسلام ذوي اللسان الأعجمي هناك وهنالك من الأطباء والمهندسين والمفكرين وعلماء الفلك ورواد الفضاء، ولا شك أنه استبدال حسن تناوله القرآن الكريم في سياق من الوعيد والتهديد للنفوس التي ما فتئت نياتها ومناطات عقولها تعزب عن الحق وتركته الموصوفة بالبياض، لتجرفها تيارات الإلحاد والفراغ الروحي الهالك وقد قال ربنا جلّ جلاله متوعدا “وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”
صدقني أخي مصطفى إن بُحت مقتنعا بأن سيناريو الفيلم التشكيكي لم يبلغ سقف الإقناع، ولم يأخذ الناس معك في سفرك نحو المجهول، إلا ثلة قليلة صادف خروجك وتحولك المفاجئ غير المباغث إذ قد سبقته رسائل توحي لمن تفرس فيها أن الأستاذ والصحفي المقتدر مصطفى الحسناوي مقبل على إقعاد ما، ولا جرم أن من نظر إلى التوضيب والتقطيع والإخراج الفني للفيديو، استام منك ملحظ الإصرار والترصد الذي سبق هذا الخروج المحموم، قلت صادف هوى في نفوسها الموبوءة وفرحت بتوهمها التحاقك النهائي الذي لا رجعة فيه إلى فسطاطها، فسطاط الإلحاد، وذلك مبلغها من الآمال فيك، خيّب الله ظنهم فيك، ذلك أننا نسلّم لهم إلى هذه اللحظة بوجود أعراض مرض ألمّ بك، ولكننا لا نصدّق بأنه مرض موتك، فلا تزال في الأذهان والوجدان ذلك الشاب “الميسوري” سليل أسرة العلم، الأبيّ الشامخ المعادي لصنعة الذل ومهنة الظلم من الشرك إلى الاعتساف والبغي، ردك الله إلى الحق ردا جميلا…
السلام عليكم،
بصراحة لم أفهم كثيرا مما تقول بسبب اللغة المتكلفة التي تكتب بها، فحبذا لو تبسط أفكارك في لغة سهلة سلسة. فالتكلف في العبارات لا يساعد على إيصال الفكرة، بل يجعل القارئ يفقد الرغبة في إكمال القراءة.
بارك الله فيك استاذنا العزيز
نسأل الله الهداية للجميع وأنار الله لنا سبل الطريق وسدد الله رأيك الزنيق في كل ما تخطه أناملك من درر حكم بعبارات محكمة بديعة التي تستمد نورها تارة من اقتباسات قرآنية وتارة من أحاديث نبوية.. فلا يقتبس نورها ولا يستضيء بضيائها إلا من نهل من لغة الرعيل الأول فدونهم.. وأما من ألف لغة مواقع التواصل الاجتماعية فلا شك أنه سيجد مشقة في فهمها ومن ثم سيلصق بك تهمة التكلف والتصنع …
الفتنة في الدين لا يامن جانبها أحد من الناس ..ومايرد على النفس من وساوس وخواطر ليس خاصا بجيل من المسلمين دون جيل..ومايعرض للعقل من شبهات هو أمر في حساب الوارد…فإن غالبها المسلم وطردها من نفسه بأن يسلم لله بعلم الغيب ..فإن هذا العقل قاصر..وبديهاته ليست مقدسة وفوق النقد..ولم يخف عن سلفنا رحمهم الله مثل هذه الوساوس والخطرات ….فهؤلاء صحابة رسول الله رضي الله عنهم وهوصلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ومع ذلك لم يسلموا من وسوسة شياطين الإنس والجن .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: “وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟” قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: “ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ”. رواه مسلم.
وفي حديث عَبْدِ اللّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَسْوَسَةِ. قَالَ: “تِلْكَ مَحْضُ الإِيمَانِ”. رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هذَا، خَلَقَ الله الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهِ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلِكَ شَيْئا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللّهِ”.
وفي رواية: ” آمَنْتُ بِاللّهِ وَرُسُلِه ” رواه مسلم.
• وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِالله وَلِيَنْتَهِ “.
• وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال “قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ. فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟”.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ