ممم.. ها التشيطين.. ها التشيطين!!

ممم.. ها التشيطين.. ها التشيطين!!
هوية بريس – نبيل غزال
أثار التسجيل الأخير الذي نشره الصحافي حميد المهداوي، مدير منبر وقناة “بديل”، عاصفة واسعة من ردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي والأوساط الإعلامية والحقوقية والسياسية، بعدما كشف معطيات خطيرة تتعلق بما وصفه بـ”حالة فساد داخل لجنة الأخلاقيات بالمجلس الوطني للصحافة”.
المهداوي وثق بالصوت والصورة أعضاء اللجنة، وهم ينهشون في لحمه ويصفونه بعبارات قدحية، ويسعون بكل الطرق كي “يغيَّزوا له” ويحرمونه من الدعم والبطاقة الصحفية، ويكيدون له من خلال متابعة (دين مو!)* في المحاكم والتوسط لدى رئيس النيابة العامة بواسطة Un petit mot..
كل هذا وغيره كثير؛ جرى حين كانت لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة، المنتهية صلاحيتها، تناقش ملف حميد المهداوي..
لكن يبقى أبرز حدث أثار ردود فعل غاضبة هو تدخل خالد الحري، مدير النشر بجريدة “الصباح”، الذي أصدر تفاصيل الحكم على المهداوي عقب مكالمة هاتفية، ومدّ يده بعد ذلك لزميلته فاطمة الزهراء الورياغلي، نائبة رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، مرددا عبارة: “ممم.. ها التشيطين ها التشيطين”!!!
هذا التعبير المشين والموغل في الحقد والكراهية كشف للرأي العام، داخل أرض الوطن وخارجه، عن استغلال بشع للسلطة والنفوذ من أجل حرمان مواطن مغربي من حق مكتسب. وهذا “التشيطين” بالمناسبة لا يقتصر على فرد من اللجنة المشار إليها ولا على اللجنة بكل أعضائها، بل يتجاوزها إلى لجان أخرى في قطاعات متعددة، وغرف مغلقة يُحدَّد فيها، بعيدا عن عدسات الكاميرات، مصير أشخاص ومؤسسات، والله وحده أعلم إلى ما صار إليه حالهم اليوم.
ملفات كثيرة وأحداث متعددة تابعها المواطن المغربي لحالات استغلال النفوذ، ليس آخرها تزوير محاضر رسمية تخص نتائج اختبارات التأهيل لمهام الإمامة والخطابة والأذان، فقد سبقها أحكام بالسجن والغرامة بحق قرابة ثلاثين متهما بتهم التلاعب بصفقات عمومية تتعلق بتزويد مستشفيات الدولة بمعدات طبية، وسُجن قضاة وأمنيون ودركيون ومحامون ووسطاء بتهم استغلال النفوذ والرشوة وتكوين عصابة إجرامية، كما طالت الأحكام عدولا وأعوان سلطة في قضية فساد شملت تزوير سجلات رسمية واستغلال النفوذ.
بل إن أكثر من 30 برلمانيا من ممثلي الأمة بالبرلمان، من أحزاب الأغلبية والمعارضة، متابعون في قضايا فساد مالي وإداري وارتشاء وتبديد أموال عمومية وسوء تسيير وتزوير محررات رسمية، وحتى اتهامات بـ”الاتجار بالبشر” في بعض الحالات.
ما يؤكد أن الفساد و”التشيطين” لم يبقَ في حدود ملف الصحافي حميد المهداوي، فكل يوم تطالعنا الأخبار بمتابعات لوجوه سياسية بارزة (البعيوي/الناصري/مبديع/بودريقة..) تدبر الشأن العام وتصرف لقطاعاتها أموالا ضخمة من ميزانية الدولة، ويرتبط بقراراتها مصير الآلاف من الموظفين والمستخدمين..
إن عبارة “ها التشيطين ها التشيطين” على اختصار أحرفها وقساوة مضمونها، تختصر كل ما يجري داخل الغرف المغلقة التي يُحسم فيها مصير صحفيين وطلبة وأساتذة وموظفين ومستخدمين وقيمين دينيين ومؤسسات وهيئات، ما يؤكد مرة أخرى حتمية تفعيل آليات صارمة لحماية حقوق الطرف الأضعف، والتدبير الأخلاقي للمسؤولية وربطها بالمحاسبة.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من طرف الدولة لمحاربة الفساد والضرب بيد من حديد على يد المفسدين في أي مجال أو قطاع، إلا أنه يبدو أن الطريق لا يزال أمامنا طويلا، ومواجهة الفساد البنيوي تحتاج إلى إرادة قوية وقرارات حاسمة ومشاريع هيكلية..
وعودا إلى موضوع اللجنة و”التشيطين”، فحتى ونحن نتابع كجميع المواطنين فيديو الفضيحة للجنة الأخلاقيات، والغضب العارم في الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي، ووقفة الصحافيين أمام وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وإذ كنا نمني النفس بقرار استقالة من أحد أفرادها أو نخبتها المتشبعة بثقافة فرنكوفونية، تأسيا على الأقل بما يقع في بلاد “الأنوار”، أو إقالة من الجهات الوصية تسكينا للرأي العام، لا شيء من هذا حدث، بل على العكس خرج أفرادها بعيون جاحظة وهم يعلنون قرار متابعة حميد المهداوي بتهمة نشر فيديو الفضيحة..
قصتنا مع “التشيطين” لازالت طويلة وطويلة جدا، لن يطوي فصولها تسريب فيديو أو متابعة قضائية أو فضيحة سياسية.. إنها معركة مع الفساد والاستبداد واستغلال النفوذ، تستمر ما استمر الظلم، وما دام هناك من يرى في السلطة غنيمة والمنصب نفوذ وفي المؤسسات مطية لقضاء مصالحه الخاصة.
ـــــــــــــــــــــــ
* وعن حكم هذه الكلمة، يمكن للحري أن يتوجه بسؤال للمجلس العلمي القريب منه، أو يسأل من يثق فيه من الفقهاء كي يوضحوا له خطورة الزج بكلمة الدين في معرض السب والشتم..




“التشيطين” هو الذي مَكَّنَ “طوطو” من الظهور على المنصة ليسمعنا كلامه .. “التشيطين” هو الذي حَطَّ من قيمة معرض الكتاب بحضور تافهين أمثال “محمد رمضان” المنبوذ في بلده.. “التشيطين” هو الذي تشريع الإباحية
و الانحلال في مجال الفن السينمائي .. “التشيطين” هو الذي جعل المواطنين يتكلمون عن “الفراقشية” في قطاعات عدة (إن لم تكن جميع القطاعات) : استيراد الأغنام ، و الأدوية ، ودعم المقاولات ،و قطاع المحروقات..
كم دولة كانت في نفس مستوى بلدنا في نهاية خمسينات القرن الماضي ، وأين هي الآن تلك الدول ؟!
“التشيطين” هو الذي جعلنا نتخلف عن الركب .