من بورغواطة إلى بوزرواطة!

من بورغواطة إلى بوزرواطة!
هوية بريس – متابعات
يشهد النقاش العمومي في المغرب تصاعدا جديدا حول موضوع “قرآن بورغواطة، وذلك عقب موجة واسعة من الاستنكار التي سبقت ورافقت خروج مقاطع مصورة تروّج لما سمي بـ”قرآن بورغواطة يجمعنا” وسور “العقرب والحنش”، وما اعتُبر محاولة لإعادة إحياء سرديات مشوهة عن تاريخ المغرب الإسلامي، وتوظيفها لضرب الثوابت الدينية والوحدة اللغوية للمغاربة.
الوزير المنتدب السابق في التعليم العالي، الدكتور خالد الصمدي، نشر تعليقا لاذعا وصف فيها متصدر هذه الدعوة بـ”بوزرواطة جديد”، في إشارة ساخرة إلى محاولة خلخلة المرجعيات الدينية والتاريخية للمغاربة. وكتب الصمدي دون تعيين الإسم، أن صاحب هذا الخطاب “يهش بها على غنمه في كل اتجاه باحثا عن الكلأ والماء حيث ما وجده”، مؤكدا أن الرجل “لا عين له في الأمويين ولا العباسيين ولا في تاريخ المغاربة البورغواطيين والإدريسيين والمرابطين والموحدين والسعديين إلى العلويين”، بل “عينه في الإسلام والمسلمين ولغة الكتاب المبين، وفي لحمة هذا البلد الأمين”.
وختم قائلا: “غير يخرج ليها ديركت وبلا فلسفة، الله يرحم عليها الفنانة ثريا جبران”.
وجاء رد رئيس المجلس العلمي المحلي بالمضيق-الفنيدق، الدكتور توفيق الغلبزوري، مؤيدا لما قاله الصمدي، إذ كتب: “راه قالها صريحة أسي خالد، ألم تشاهد الفيديو الأخير؟ قال دون أن يرف له جفن: اللغة العربية أجنبية، لا فرق عندي بينها وبين الفرنسية والإنجليزية!”.
وهو موقف أكد، بحسب الغلبزوري، الخلفية الحقيقية لهذا الخطاب الذي لا يستهدف التاريخ بل ركائز الهوية المغربية.
وكان الجدل قد انطلق قبل أسابيع عندما ظهرت مقاطع ترويجية لما سمي “قرآن بورغواطة”، وحاول مروجوها تقديم نصوص ملفقة ومنحولة على أنها جزء من التراث الديني للمغرب. وقد فند عدد من العلماء والباحثين هذا الطرح، مؤكدين أن كل ما نسب إلى بورغواطة من “سور” ونصوص هو نتاج تزوير تاريخي معروف في الدوائر الأكاديمية، ولا يوجد أي سند علمي يثبت صحته. وأكد أساتذة جامعيون وخبراء في التاريخ الوسيط أن “قرآن بورغواطة” لم يكن يوما كتابا دينيا بالمعنى المعروف، وأن الروايات التي تنسب إليهم “سور العقرب والحنش” أو غيرها هي أخبار متأخرة، كتبت في سياقات سياسية هدفها التشويه لا التوثيق.
كما شددت شخصيات علمية بارزة، من بينهم أعضاء في المجالس العلمية و أساتذة في الدراسات الإسلامية، أن هذه المحاولات التي تصدر عن أفاد لهم اختيارات عقدية وتوجهات فكرية مخالفة لعموم المغاربة، تستهدف، كما جرت عادتهم دوما، ضرب الإسلام الذي يجمع المغاربة، وتمزيق وحدتهم اللغوية والثقافية، عبر إحياء قصص مختلقة تُستعمل كسلاح أيديولوجي ضد الثوابت الدينية والوطنية. وأكدوا أن المغرب، بتاريخه العميق الممتد من الأدارسة إلى الدولة العلوية، لم يعرف في أي مرحلة من مراحله نصا دينيا خارج القرآن الكريم، وأن أي خطاب يناقض ذلك يدخل في نطاق العبث الفكري أو التوجيه الأيديولوجي المعادي لقيم المغاربة.
ويجمع المتابعون على أن ما يسمى “قرآن بورغواطة” ليس سوى “فقاعة رقمية” توظف التاريخ بشكل مبتور بهدف خلق شرخ ثقافي وافتعال صراع وهمي بين مكونات الهوية المغربية، بينما تؤكد المؤسسات العلمية والجامعية بالمغرب أن المرجعية الدينية للمغاربة ثابتة وواضحة، وأن الحديث عن “قرآن بديل” لا يعدو أن يكون مغامرة فكرية خطيرة، تم التحذير منها مرارا.
وهكذا يتواصل الجدل، بين خطاب يسعى إلى إثارة الغبار حول الثوابت، وبين مواقف علمية وأكاديمية تؤكد أن التاريخ لا يعاد كتابته بالتدوينات ولا بالتوظيف الأيديولوجي والمقاطع المبتورة، وأن المغرب له مرجعية واحدة في الدين، وثابتة، لا تهزها محاولات التقويض ولا سرديات الخصوم.



