من حملة “زيرو كريساج” إلى اليوم.. ماذا تغير في عالم الجريمة؟
هوية بريس – نبيل غزال
بين الفينة والأخرى يتجدد الحديث عن معضلة الجريمة وما تكابده الأسر المغربية جراء انتشارها في عدد كبير من المدن المغربية؛ فلم تكن الجريمة البشعة التي وقعت في حي القرية بمدينة سلا والتي راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر الوحيدة التي أثارت استياء الرأي العام بسلا أوغيرها من المدن الأخرى.
ففي منتصف 2016 عشنا جميعا حملة “زيرو كريساج” وذلك بعد تفاقم جرائم مشابهة، وقد قامت قوات الأمن حينها بعمليات تمشيط واعتقالات واسعة للجانحين في عدد من المدن، مثل وجدة وفاس ومكناس والدار البيضاء وسلا وطنجة ومراكش.. وغيرها، ثم فتر النقاش عقب ذلك حول هذا الموضوع، وطويت صفحته؛ ليعاد فتحها اليوم بعد جريمة “القرية” البشعة.
إن المتابع لهذا الملف يجد أننا نطمع في معالجة معضلة مجتمعية خطيرة عبر مسكنات لا يتجاوز دورها تخفيف الألم، أما الداء الرابض في جسد المجتمع؛ والذي يحتاج إلى عملية استئصال عاجلة، فلا نوليه العناية اللائقة به.
نعم؛ الأمن دوره جوهري ومركزي وأساسي وقل ما شئت بعد ذلك؛ لكن مهمته قاصرة على معالجة اختلالات مؤسسات أخرى فرطت في مسؤولياتها وتخلت عن دورها؛ فنتج عن ذلك أن زُرعت قنابل مجتمعية في كل جغرافيا المملكة، ونحن نعاين بين الحين والآخر تفجر إحداها هنا أو هناك.
فظاهرة الإجرام بنيوية لا يمكن مقاربتها من الزاوية الأمنية فحسب، بل يتعين استحضار محضن المولدِ والنشأة (الحي والرفقة)، والمحضن التربوي (الأسرة)، والتعليمي (المدرسة)، والإعلام الموجِّه، وفرص التنمية والشغل في الأقاليم والجهات، والثقافة السائدة في المجتمع، والتوجه العام للدولة.
فمن سكن بالأحياء التي تنتشر فيها الجريمة بالمدن؛ وخالط بعض الجانحين وحاورهم سيقف على المعاناة في مهدها، وسيدرك أن الدولة والمجتمع برمته يتحملان النصيب الأكبر فيما وصلنا إليه اليوم؛ فمعظم هؤلاء المجرمين غادروا المدرسة في سن مبكر؛ وأذكر هاهنا أن نسبة الهدر المدرسي بالسلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي خلال الموسم الدراسي2017-2018، بلغت:221958 تلميذا وتلميذة، ولك أن تتخيل هول هذا الرقم الفظيع في سنة واحدة فقط.
أضف إلى ذلك أن معدل البطالة في المغرب؛ وفق المندوبية السامية للتخطيط؛ بلغ خلال الربع الأول من 2018 نحو 10.5%، أي مليون و272 ألف عاطل أغلبهم يقطنون في المدن، 25.7% منهم من الشباب البالغين بين 15 و24 سنة.
أما المخدرات بكل أشكالها وأنواعها وألوانها؛ فحدث ولا حرج؛ فإنتاج المغرب من الحشيش،وفق مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة،بلغ 713 طنا،ونسبة المغاربة الذين يستعملون المخدرات، خارج التبغ، تتراوح بين4و5% من الساكنة البالغة، أي حوالي 800.000 مستهلك لهذه المواد.
أما “القرقروبي” والذي يدخل ضمن المخدرات القوية، فإن 80%من الجرائم سببها حبوب الهلوسة، أكثر من ذلك فهو السبب الأبرز لمعظم حالات زنا المحارم.
فإذا انتشرت المخدرات والبطالة وعم الجهل وغابت التربية والتأطير الديني داخل المدن؛ ماذا ننتظر بعد ذلك، أن يعم السلام والوئام والمحبة؟! لا أبدا فمن زرع الشوك لا يجني العنب.. ونتيجة لذلك فعدد القضايا المسجلة خلال الستة أشهر الأولى بمحاكم المملكة فاق في 2017؛ وفق تصريح لوزير العدل، مليونا و344 ألفا و251 قضية.
إن الجهل والفقر عاملان من أخطر عوامل تخريب المجتمع؛ وحين نتحدث عن الجهل نشير مباشرة إلى وزارات التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة والإعلام، وحين نتحدث عن الفقر نشير إلى وزارات الاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة والاستثمار والحكامة والتنمية المستدامة والأسرة والتضامن..؛ والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبرامج وصناديق ووكالات ومبادرات متعددة..
وما لم تتم العناية بهذه القطاعات؛ خاصة قطاع التربية والتعليم، وتصل منافعها مباشرة إلى المواطن المغربي؛ فلا يمكننا الحديث عن مقاربة للحد من الجريمة أو غيرها من الظواهر الأخرى، وما عشناه جميعا بمدينة سلا من المتوقع جدا أن يتكرر في المدينة ذاتها أو غيرها من المدن الأخرى.