من دليل الفطرة: ضرورة التوجه نحو العلو أثناء الدعاء
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
اعتبر الشرع الدعاء مخ العبادة، أي روح العبادة ولبها وحقيقتها، فمن أراد أن يرتقي بعبادته إلى حقيقتها وإلى روحها ويصل إلى مقام الإحسان فيها، فليحسن في دعائه وليكثر منه، فإن الإحسان هو أن تعبد الله كأن تراه، والداعي لله هو أحق العابدين وأصدقهم بأن يعبد الله كأنه يراه، فهو ما بين شوق كبير إلى وعْـد الله وبين خوف شديد من وعيده، وما بين حالة الافتقار إلى ما عند الله وبين حالة الاضطرار لدفع ما لا يقدر عليه إلا الله، فهو أحق الناس بأن يعبد الله ويدعوه كأنه يراه.
ومع ما تبوأته مزلة الدعاء من القرب الخاص لتحقيق مقام الإحسان، فإن ما من داع لله ـ على اختلاف مشاربهم ـ إلا وتجده يقبل بكليته قلبا وقالبا، وجها ويدا، نحو السماء، يناجي ربه ويسأله حاجته ويدعوه، لا يتكلف في ذلك مذهبا، ولا يصطنع بذلك عقيدة ولا مقالة، بل تدفع الداعي فطرته السليمة الصافية والمسيجة لحظة دعائه بالصدق لله وتعظيمه ومحبته وتنزيهه أن يرفع قلبه ووجهه ويده نحو العلو والفوق، وينادي يا رب، يا رب، يا رب..
هذه الضرورة في التوجه أثناء الدعاء نحو العلو والفوق أمر مقرر في الفطر السليمة لا يستطيع أي داع دفعها عن نفسه، والسر في ذلك أن الله عز وجل أعلى من كل شيء، حقيقة وقدرا، وقدرة وقهرا.
يذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمة أبي المعالي الجويني:
“أن محمد بن طاهر قال: حضر المحدث أبو جعفر الهمذاني في مجلس وعظ أبي المعالي الجويني، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه.
(قلت: يريد بذلك أن الله في كل مكان)
فقال أبو جعفر الهمذاني: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها: ما قال عارف قط: يا الله! إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ أو قال: فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها؟
فقال أبو المعالي الجويني: يا حبيبي! ما ثم إلا الحيرة.
ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني”. اهـ
قلت: مراد المحدث أبي جعفر الهمذاني أن الضرورة التي تطلب من المسلم أثناء الدعاء العلو في التوجه ولا يلتفت يمنة ولا يسرة دليل على علو الله على مخلوقاته حقيقة، وهذا ما سماه بعض العلماء بدليل الفطرة.
فتوجه بقلبك وقالبك يا مسلم، وارفع يديك وادعو الله الكبير المتعال، فإنه سبحانه حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين.
فاللهم هذه قلوبنا وألسنتنا ووجوهنا وأيدينا نرفعها إليك، لا نتلفت لا يمنة ولا يسرة، فلا رب لنا سواك، أن تجعلنا ممن يصوم رمضان إيمانا واحتسابا، فاللهم اجعلنا من المقبولين عندك، وادفع عنا هذا الوباء وارفع عنا هذا الحجر، فأنت ولي ذلك والقادر عليه.