ميديابارت: عزل قطر.. رهان السعودية الخاسر
هوية بريس – الجزيرة
قبل عام من الآن حاصرت السعودية والإمارات والبحرين ومصر دولة قطر، لكن يبدو أن ذلك لم يزد هذا البلد إلا قوة وثقة بالنفس، كما اتضح اليوم أن قرار الحصار كان خطأ إستراتيجيا فادحا.
هذا ما جاء في تقرير للمراسل الخاص لموقع ميديابارت الفرنسي إلى الدوحة توماس كاتالوب.
بدأ كاتالوب تقريره بتسليط الضوء على الوضع الحرج الذي وجدت فيه دول الحصار نفسها مع بداية كأس العالم؛ إذ لم يكن بمقدور أي كان في هذه البلدان، من الناحية الرسمية على الأقل، متابعة مباريات هذه الكأس على التلفزيون لأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وغيره من زعماء دول الحصار كانوا قد حظروا بث قنوات بي إن سبورت -المالك الحصري لحقوق بث هذه الكأس بالشرق الأوسط- في بلدانهم.
وفي مواجهة هذا الحصار الكروي الذي ضربته هذه البلدان على نفسها، استطرد الكاتب بعض الحيل التي استخدمت في هذا البلد أو ذاك لمشاهدة المباريات؛ بين من لجأ للقناة الإسرائيلية “كان”، وبين من استخدم بث قناة مقرصنة يطلق عليها “بي آوت كيو” تقوم بإعادة بث ما ينشر عبر بي إن سبورت، الأمر الذي أثار غضب قطر وجعلها تشتكي إلى الفيفا، التي وعدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد المقرصنين.
وعلق الكاتب بعد ذلك بقوله “هكذا تمضي حياة حصار قطر، الذي بدأ في الخامس من يونيو 2017 بإرادة من ابن سلمان. قائلا إن قرارا متهورا صدر ذلك اليوم من هذه البلدان الأربعة فاجأ العالم كله، وقد أشفع ذلك القرار بــ13 مطلبا كشفت -حسب الكاتب- عن تصميم السعودية على سحق جارتها، إن لم تقم من بين أمور أخرى بإغلاق قناة الجزيرة وطرد القاعدة العسكرية التركية وقطع العلاقات مع إيران والتعويض عن “الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن سياسات الدوحة… إلخ.
وقد كان جليا منذ البداية أن قطر -حسب ميديابارت- “لن تذعن لإملاءات السعودية، ولو فعلت لخسرت، ليس فقط ماء وجهها، بل وكل شكل من أشكال السيادة لديها”.
إعادة التنظيم
في بداية الحصار، كان الوضع صعبا بالنسبة لقطر؛ إذ ينقل المراسل عن موظف قطري (فضل عدم ذكر اسمه) قوله “”خلال الأيام الأولى للحصار، كان ثمة تهافت على المحلات لتخزين الغذاء، وكان هناك خوف حقيقي من غزو عسكري، لكن عندما أدركنا بعد بضعة أسابيع أن البلاد في أمان أصبحت القضية مجرد مسألة إعادة تنظيم”.
ويعلق كاتالوب على ذلك بقوله “وهذا أمر تعرف قطر جيدا التعامل معه، كيف لا وهي التي حولت نفسها إلى مركز تكنولوجي ومعماري وجغرافي وإعلامي محوري في ركن من الصحراء”، كما أن لديها الموارد والدراية والمعرفة الضرورية لذلك، ولديها، علاوة على ذلك كله، الإرادة والطموح، على حد تعبير المراسل.
ويتطرق الكاتب لبعض الطرق التي استخدمتها الدوحة للالتفاف على الحصار، قبل أن يستنتج أن قطر لم تعد بحاجة لما كانت تستورده من بلدان الحصار، مدللا على ذلك بقوله “لتأكيد تقدمها ورغبتها في رفض الخضوع للإملاءات السعودية، أعلنت الدوحة في مايو 2018 أن البضائع القادمة من السعودية والإمارات والبحرين ومصر محظورة في السوق القطرية”.
الاكتفاء الذاتي
وأبرز الكاتب أن قطر استفادت بالفعل من الأزمة في إطلاق خطة زراعية واسعة، جسدتها في تشييد مزارع في الصحراء؛ ففي الوقت الذي لم يكن البلد ينتج فيه سوى أقل من 1٪ من غذائه محليًّا قبل يونيو 2017، أصبح اليوم قادرا على تلبية نصف احتياجاته من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان، والهدف هو الوصول إلى 90٪ من الاكتفاء الذاتي الغذائي عام 2019، حسب قوله.
وينقل كاتالوب عن دبلوماسي أوروبي بالدوحة قوله “إن كان هدف السعودية من الحصار هو عزل قطر، فقد خسرت الرهان”.
وعلى الصعيد الإعلامي، لم تعد قناة الجزيرة التلفزيونية التي استهدفتها -في المقام الأول- الإملاءات السعودية مكبلة في تغطيتها لحالات الفساد والإفساد في تلك الأنظمة الملكية، فغدت تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في الرياض أو البحرين، رغم أنها كانت تتحفظ في ذلك كثيرا.
حفظ ماء الوجه
أما أكبر خاسر من هذا الحصار -حسب الكاتب- فهو مجلس التعاون الخليجي؛ إذ شلته هذه الأزمة تماما، “وحتى لو عادت الأمور إلى نصابها، فإن حصار قطر سيظل يحوم مثل سيف ديموقليس على رؤوس الدول الأخرى التي ستقول “إن كان ذلك حدث لقطر فما الذي يضمن ألا يحدث لنا؟”، حسب الباحث في معهد بركينغز بالدوحة علي فتح الله نجاد.
ويرى فتح الله أن حصار قطر كان “خطأ إستراتيجيا بالغا؛ فالسعودية أطلقت النار على قدمها، (…) إذ يمكنك فرض حصار على بلد فقير، ولكن ليس على بلد غني، والذي حصل هو أن قطر أصبحت تنعم بالمزيد من استقلالية القرار كما وطدت علاقاتها مع طهران”.
وأضاف فتح الله أن ابن سلمان يسعى الآن لإنهاء هذه الأزمة، وقد يكتفي بما “يحفظ ماء وجهه”، خاصة أن أميركا دونالد ترامب تريد لهذه الأزمة أن تنتهي قبل نهاية غشت القادم، إذ إن الفشل في تحقيق ذلك يهدد بإفشال “خطة السلام” الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفي تشكيل تحالف خليجي مناهض لإيران، وفقا للمراسل.