نحو احتلال واويزغت الغامضة (1922م)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
عرفت قوات الغزو الفرنسي وهي في الطريق لاحتلال واويزغت -كما سيتضح لاحقا في هذا التقرير- خسائر فادحة أذهلت القيادة الإستعمارية خاصة في مضيق تيسلي انرومي، حيث قتل في يوم واحد 17 ظابطا وضابط صف و50 جنديا، جعل المدون الرسمي للتقرير اليومي للكولون يقول بأن الكولون لم يفرح باحتلال المضيق لأن الشلوح ما زالوا يحيطون بعنقه وأن الجن تساعدهم.
وقد كتب “كوستاف بابين” في كتبه la mysterieuse uaouizert 1923 بأن عملية 26 شتنبر 1922 التي جلبت العلم الثلاثي الألوان لواويزغت، كان ضمن برنامج ليوطي لوضع نهاية لاحتلال المغرب النافع مع حلول 1923، وصادقت عليه الحكومة الفرنسية.
لقد شارك في هذا الغزو الكولونيل نوكيس -الذي سيصير مقيما عاما بالمغرب لاحقا- قائدا لمجموعة مراكش المتحركة، المؤلفة من 123 ضابطا و4714 رجلا فيهم 3042 مشاة، و321 فارسا، 465 مدفعيا، و11000 برطيزا أهلي، و723 حصانا، و1823 بغلا وضعت رهن إشارتهم 6 طائرات، ومصلحتين طبيتين.
مجموعة تادلا بقيادة الكولونيل فرايدينبيرك معززا بـ133 ضابطا، 5678 رجلا فيهم 3397 مشاة، 473 فارسا، 1042 مدفعيا، 2000 برطيزا، 784 حصانا، 2448 بغلا، بعد ثمانية أيام من القتال للوصول لواويزغت فقدت القوات 454 بين ضابط وجندي وبرطيزا فيهم أربعة طيارين.
كل ذلك كان في مواجهة سكان مسالمين استخدموا الحجارة في صدّ العدو وتعطيل مدفعيته كما جاء في التقرير، وفي الكتاب حيث قال مؤلفه:
“يا لها من أرض! يالها من زخرفة وزينة! صراع مع “جنون عماليق”، عباقرة متوحشين يقبعون في جوف هاوية من قبل وصولنا لهذا البلد المعذب والمدمر والشرير.
آه! آه! المغرب النافع!.. لكن هذه البلاد العنيدة، عندما تنضوي تحت المخزن سينصرف سكانها للعمل بهمة ونشاط، وينسون المآسي التي تعرضوا لها” (ص:4).
نص التقرير:
جنود الحرب بالمغرب
هذا المقال ليس سوى فصل أخذ من كتاب (الصفحات الجميلة) الذي ستظهر عما قريب “وأشارت مجلة (المغرب الكاثوليكي) في الهامش، بأن هذا الفصل منقول بالكامل من مذكرة فوج جاك تيسيير” (ص:24).
…قوات تادلا، لا تتحرك على الطريق، إلا لتتوجه نحو الأعداء، الضجيج، اللغط، التخابر، كل يصطدم بالآخر، في ارتباك وتداخل بعضه في بعض بشكل متقاطع ومتناقض، ومع ذلك فإنه ما يزال عند الشلوح مكاسب تتمثل في 3000 بندقية سريعة الطلقات، تجعل الوضع صعبا ما لم ينجح ممثلونا في خلق تنافس بين القبائل.
الحكماء عندهم يرون أن تراجع قواتهم نحو الأطلس الكبير، سيجعلهم لا يوجدون مرعى لمواشيهم ولا طعاما لعائلاتهم.
ومع ذلك من الضروري أن نحسب حساب أولئك الذين ثاروا على صوت بن الجيلالي الذي يبدو كاستثناء (ووجه تاريخي) أكثر فأكثر في عهد التهدئة، خطابه ضد نهب القياد، وتعسف غلات الرؤساء كيفما كانوا.
نعم علينا أن نحسب حسابا لهذه القبائل وقادتها.
عدونا اللدود المسن، موحا واسعيد وابن أخيه الصغير، بن الجيلالي، قررا أنهما سيدافعان عن أراضيهم ومدينتهم، واويزغت، لغاية الممات.
ومع ذلك فإن موحا يفتِّح أذنا سلِسَة.
بالنسبة “للتَّباحث” في عروضنا بلا حساسية بخلاف بن الجلالي، هذا الشرس الذي يتعمَّد العمل خارج القانون، والذي أقسم أن يقاتلنا بضراوة، والذي سبق لي رؤيته عندما كان على أطراف بودنيب، ذا بنية نحيفة وأياد ناعمة وعيون زرقاء تلمع ببريق ملتهب، كأنه شرارة من نار…
واويزاغت هدفنا، واويزغت الغامضة.
الشلوح يدافعون بوحشية، أكرر لمن يسقط بين أيديهم، سيكون تعذيبه فظيعا على يد النساء.
هذا الصباح تقدمت القوات في عتمة أرجوانية مع أول ضوء ظهر خلف الأطلس المتوسط الغامض والهائل.
طبعا مع النهار سرعان ما تحدد الوجوه والسمات، وألوان البزات، وطريقة دوس الجنود الأرض في مشيهم، وضيق التنفس، ودمدمة الحيوانات، ساعات من التسَلسُل الذي يعرقل الجنود في صعودهم الصباحي الباكر الرطب، كل صور الغزو الاستعماري مع هذه القوات المختلفة الأعراق بخوذاتها وعمائمها، وأصولها ومعتقداتها، في الحقيقة نقول بأن هؤلاء الرجال الذين توحدت قوتهم، واستقام سيرهم في المسلك يتطلعون لسماء مضيئة، وحياة أفضل.
أفواج غير متشابهة:
في المقدمة السنيغاليون، عاديون، متعبون، ثم الجزائريون متوترون، ماكرون، لاحظت في صفوفهم أروبيون، بوجوه شاحبة وهم يتقدمون بصعوبة، يتعثرون في مرورهم، أكتافهم تميل للوراء من ثقل حمل البردعة عليها، أعناقهم ممتدة للأمام، وجوههم عرقانة، يتخفون، نظراتهم ثابتة.
خلف هؤلاء تأتي نوبة المغاربة الصاخبة مع عنزتهم الرمز، وشعاراتهم التي تحمل يد فاطمة
تتوالى الفيالق؛ قميص بني مفتوح على صدر مشعر، الكل يسير في صمت، متقدمين على المستعمرين المرافقين للمؤونة، والذين يخلدون بطولات أسطورية، الكل يسير، يهرول ينطلق تحت أشعة شمس تتزايد حرارتها كلما ارتفعت في السماء.
الناحية المجهولة تظهر أمامنا وراء مرتفع تخترقها عروق الصخور والتي لم يسبق لأروبي أن وطئها بعد شارل دفوكو، الذي تنكر في هيأة يهودي ليمر بها، إنها بلاد الشلوح التي لم يجد فيها أي رومي موطئ قدم.
سيقضي الكولون الليل أسفل الأطلس المتوسط حيث يراقبنا الثوار من أعلا قممه، ولما شاهدوا الكولون يقترب، أشعلوا في قنة الجبل نار قوية لتخبر السكان بذلك.
بالأمس ذهبت لقنطرة اولاد امبارك، حيث قتل بول بروني.. وغدا سيلعلع الرصاص عند اقتحام الصخور في أعلى المضيق من كل الجهات حيث كنا نريد دفع الشلوح من أجل الوصول لواويزغت.
في انتظار ذلك عسكرنا في سيدي يحيى،…
هذا هو المغرب؛ همجي ومحارب كما كان سابقا وأبدا، المغرب الغامض الذي غامر بعض المسيحيين بالتجول فيه متنكرين.
هذا المساء بعدما زرت الحصن الذي أقيم أمامه مركز صغير تم مهاجمته من قبل المنشقين ذات مرة، توقفت بمقبرة محاطة بسياج شوكي وقبر واحد كتب على شاهده: هسيلبيرك ألين، الرابعة أجانب 10/7/1922 ثم نظرت للعلم المرفرف فوق الحصن، وفكرت في هذين المعلمين: العلم والمقبرة مجتمعين باسم فرنسا، أكثر عظمة وأكثر احتراما.
…معركة اليوم ستكون ربما أكثر قسوة مما يتحدث عنه من معارك ضد الشلوح وستظهر حضَّ ومناشدة بن الجيلالي وتوقعات المرابطين ضدنا.
لا أعرف ولا أتخيل أبدا بعد هذا الصراع ماذا سيحدث بعد غزو الجزء السفلي من تيسلي انْرُومي، المنبسط وراء الصخور الكامن في كهف مختبئ بعيون ماء، مستحوذا على قدرات خفية متطرفة خارقة للعادة.
اليوم تتجلى تلك القوة وفقا للمرابطين المحتجين، في نزول ضباب كثيف فجأة، بعدما تحرك الكولون للهجوم على المنطقة في الصباح، كان ضبابا أسود كثيف اللون، متشبثا بالأرض والصخور والأشجار، طيلة الصباح، حاجبا عنا الرؤية لأبعد من عشرة أمتار.
أقول الأرض مجازا لأني لا أجدها، وإنما أتصورها فقط تحت الصخور المنتشرة فوقها في فوضى، مخللة بجدوع الأشجار والعليق المتسلق للأعلى مغطيا قمم الروابي المحيطة بالمضيق، أشجار ضخمة، وجدران اغرانيتية حمراء، كما لو كانت مطلية بالدم.
بدأ صعود الاقتحام:
“برطيزا” الموالون من الأهالي في الأمام تزامنا مع تحركهم بدأ وعلى الفور، نزول ضباب أسود داكن، وصفوه بأنه جاء احتجاجا من الجن الساكن في المضيق المعاد للرومي، فقام الشلوح بالتسلل بين الروابي للواد وتقدموا دفعة واحدة يحجبهم الضباب، فجأة صرخوا كالشياطين على حد سواء وبرزوا ممزقين نسيج الضباب الممتد غطاؤه على الوادي، ليرموا في صمت، سكاكينهم على برطيزا، الذين تفاجؤوا فاضطربوا وتشتتوا.
وشرع في إطلاق النار قبل وصول القوة الكبرى، حيث تم الالتحام والقتال وجها لوجه بشكل مكثف.
بعد برهة من بداية الاشتباكات تساقط أوائل المجروحين بجراح جسيمة في الدراع أو الحوض، جروحا غائرة وكبيرة بالسكاكين، كان قتالا رهيبا بلا حدود، وأثناء ذلك كان المقاتلون يسبون بطريقة أبطال هميروس معركة لا توصف، حيث الشلوح المتعصبون يسارعون للموت بأصوات مرتفعة.
احتدم إطلاق النار دون توقف، مهيمنا عليه بنداءات الثوار المقاتلين بالحجارة التي تدمر الوجوه أو تفجر الجماجم.
فجأة انقشع الضباب واكتشفت بانوراما عنيفة ومؤلمة، استأنفت المعركة هذه المرة بإدارة ثابتة حرة الرُّؤيا، المدافع تحفر في الأرض الحمراء وجوانبها أيضا كأنها تدافع عن محاور هذه الناحية من النهب والعصيان، والتعصب والوحشية.
فجأة بالرغم من قصف الطيران، بالرغم من المدفعية، بالرغم من القناصة الرماة، تبين أنه ليس هناك علم أبدا من أين يأتي دعم السلاح للمنشقين، بنادق سريعة الطلقات، سكاكين هجوم مضاد قوي للمنشقين اخترق جناح الكولون، تصاعد على الفور مشهد درامي من الألم الذي أحدثته شجاعة الشلوح الأوغاد، توقف بيِّن لنيراننا، خط الشلوح الذين أتوا سابقا يقاتلوننا وجها لوجه، ثم بهدوء وتؤدة جاء الظلام، فبدأ استعراض الجرحى والقتلى، رأيت معصم وعنق أحد الموالين من برطيزا مشرحيّْن حسب عرف الشلوح الشرسين الجلادين، وآخر حرق البارود بطنه ببشاعة، واحترقت أطرافه، وآخر ثقبت جبهته بحجر.
هذا المساء تركنا البنادق وحملنا المجارف والفؤوس لشق مسلك وتسوية طريق تسمح لنا بالتقدم مستقبلا في المنطقة.
المعركة:
في الصباح استيقظ المعسكر من غير أن يثير انتباه الراصدين له، المنتشرين على المرتفعات المحيطة به، فجأة أشرقت الشمس، وبدأ إطلاق النار، وانطلقت المعركة بالتحام قاس ودام، بعدما وجدنا الأعداء تحت أقدامنا مجموعات مجموعات، منتشرين بين الروابي والمنخفضات المحيطة بالمعسكر، كان التقدم بطيئا لقطع أرض بدت لا متناهية، قدما بقدم تحت قيض حرارة لافحة، ومدافعة أعداء متمرسين على إطلاق النار منذ نعومة أظفارهم.
هنا رشاش بلا بطارية بعدما تدحرج مشغله في الواد برأس مثقوب، وستبدأ مجزرة كبرى في الضباط، حيث سقط بثلاث رصاصات قائد فوج، ورقيبين، وبعيدا عنهم سقط ثلاثة ضباط من أربعة مكلفين بفوج اصْبَيْحِية، بطلقة في البطن، أصيب آخر، وبقي بين يدي الشلوح.
صرنا نرتجف من الرعب، ولم نعد نفكر في شيء، ولا نعتقد شيئا، قبضنا على المعركة وشرعنا نتقدم بعناد رهيب.
الساعة التاسعة صباحا فقدنا خمسة ضباط وستة ضباط صف أوربيين، الرصاص يأتي علينا من كل حدب وصوب، كان من الواجب التقدم بحذر وشجاعة، لأن الشلح مرن يهرب مُتسَرِّبا برشاقة بين الروابي والوهاد، ثم يعود فجأة للقتال كالبطل عند الالتحام.
الساعة العاشرة سبعة ضباط صاروا خارج المعركة، ما يزال الكولون يتقدم رغم مضايقات عصابات من الأوغاد المراوغين محبي الدماء، الذين صيروا الكولون صيدا سهلا للشلوح المتخندقين المكلفين بإطلاق النار على من يرونه منا، أزيز الرصاص يمر مع صرخات تمزق القلب نتزحلق، ننزلق، عطشان، عطشان، آه! عطشان.
الحرارة الجهنمية متواصلة في سافلة المرتفعات حيث رجالنا يتكاثرون لاهثين متزاحمين، وفوقنا الطائرات تراقب وتقصف في الساعة الثالثة عشر تم احتلال الهضاب وتراجع الشلوح عنها واستبعدوا مشتتين هائمين، القبائل التي أتت على دوي المدافع تراجعت للجبل ملاحقة من قبل نيراننا.
بالرغم من ذلك بقي بالميدان مدافعون آخرون تسللوا بين الصخور واختبأوا في أعماق شقوقها مواصلين القتل بلا ملل.
في الساعة الرابعة عشر، تم إحصاء خمسة عشر ضابطا قتيلا، في الخامسة عشر سقط السادس عشر وأمام أول قصبة سقط ضابط من القيادة العليا بعد إصابته في صدره فكان الرقم السابع عشر في الساعة السادسة عشر بلغ عدد الضباط الصرعى 17 و50 جنديا.
بقيت القيادة حائرة أمام حجم الخسارة بالرغم من أن أحدا من الضباط القتلى لم يرتكب أي خطأ في تسيير العمليات.
نحن ندرك أن الشلوح وجهوا نيرانهم نحو الضباط، بعد ما كانوا يبحثون عنهم في أي مكان، ويترصدون لهم حتى يظهروا فيقتنصوهم بمهارة.
كنا نبكي القتلى عند استعراض جثثهم، لذلك لم نفرح بانتهائنا من احتلال مضيق تسلي انْرُومي، الذي سيظل الشلوح يدافعون عن طوقه.
بالنسبة للذين ماتوا ضباطا وضباط صف وجنود أوربيون وأهالي فقد تم دفنهم في هذه البلاد الشديدة الغموض، المنعزلة والمقدسة.
جان رونود
مجلة “المغرب الكاثوليكي” (ص24-32 يناير 1925).
ترجمة ضعيفة افقدت المقال او النص معناه و أفرغته من مختواه