ندوة “فتوى الزكاة”.. نظر فقهي عارض عابر

هوية بريس – د.ميمون نكاز
تابعتُ ندوة فتوى الزكاة بالقناة السادسة وأنصَتُّ لأجوبة السادة الفقهاء الأفاضل الذين حضروا فيها، فوجدتهم-مع حفظ أقدارهم- قد غضوا الطرف وأمسكوا الحديث عن زكاة الأجور كما وردت في فتوى المجلس، وقد لوحظ أن مسير الندوة أعرض عن السؤال بشأنها، لعل ذلك لما أثارته من استشكال فقهي وواقعي ظاهرين، كما أن ما ورد فيها من التنبيه إلى زكاة المنتجات الزراعية والغابوية المستثناة في المعهود الفقهي المالكي من”زكاة الخارج من الأرض” إذا اتخذت للتجارة، إدراجا مِنْ قِبَلِهم لها في “وعاء زكاة التجارة” هو قول صحيح في الجملة بمستند التكييف الفقهي الذي استُنِدَ عليه، لكني لم أر فيه جديدا من النظر ولم ألحظ فيه اجتهادا إضافيا، ذلك لأن المعلوم في الفقه إجماعا أن كل ما كان قابلا للتجارة فيه واتخذ لذلك طلبا للكسب والنماء فيه تجب فيه الزكاة لجامع السلعية المربحة فيه، ولتحقق القصد النمائي للمال فيه، فالمنتجات الزراعية التي لا زكاة فيها في أصل مشهور المذهب إذا اتخذت للتجارة وجبت فيها الزكاة، سواء تاجر فيها صاحب الزرع أم غيره ممن اشتراها من الزراع، ولو تاجر الإنسان في الحجر للزمه إخراج زكاة التجارة فيه، ربع العشر بشروطها المعلومة، هذا أمر ظاهر الحكم لا إشكال فيه ولا جديد، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة التفريق بين من يشتري من الزارع إنتاجَه ليتاجر فيه، وبين أن يكون الزارعُ المنتِجُ صاحبُ الزرع هو التاجر نفسه، حيث قد عُلِمَ أنه لا إشكال في وجوب زكاةِ ثمنِ “سلعة الزرع المُشترى من الزارع” وأرباحِه إذا بلغ الكسب منه نصابًا وحال الحول على المتاجر فيه، وإن كان صاحب الزرع قد زكاه زكاة الزرع حين حصاده، لاختلاف المالك واختلاف الموجب، لكن يبقى النظر الفقهي في صاحب الأرض أو مكتريها الذي يزرعها بعامة ما يُخرَج منها بقصد التجارة فيها، فإن كان ما يُخْرَجُ منها مما لم يوجبِ المذهبُ الزكاةَ فيه في مشهور قوله، كالخضر والفواكه وغيرها صح فيه التوجيه الاختياري الذي جنحت إليه فتوى المجلس، وهو جار على مقتضى زكاة ما أُعِدَّ للتجارة كما أسلفت بيانه، فلا جديد فيه، فلو اتجر الإنسان في الحجر ناهيك عن الحطب الغابوي، لوجبت عليه الزكاة بشروطها…
أما إن كان مما يخضع لزكاة الزرع مما أوجب الشارع الحكيم العشرَ أو نِصفَه فيه بالنص، فإن الأمر فيه يحتاج إلى بعض البيان، أجمله في الملحظ الآتي: هب أن زيدا فلاحٌ مزارعٌ له أرض يزرعها قمحا أو شعيرا، يؤتي زكاته يوم حصاده، لكنه بعد ذلك لا يدخره كما جرت بذلك أعراف الزراع وعاداتهم قديما، ولكنه يسعى للاتجار فيه فيحوله إلى “سلعة مبيعة”، فإن أنتجَه مالا وأكسبه أرباحا، هل يُعفى من زكاته باعتبار أنه قد زكى أصله زكاة الزروع منعا لثني الزكاة في المال الواحد كما قد يوهم به النظر الأولي، ذلك لأن الزرع المُزكى إنما يُزكى مرة واحدة باعتبار جنسه، ولو ادخره صاحبُه الدهرَ كله، ما لم يزرعه مرة أخرى فَيُثْمِرَ له؟ أم يؤمر بزكاته باعتبار “اختلاف علة الوجوب فيه”، و”تباين مناط الاستحقاق فيه؟، وأنه لا علاقة للأمر بثني الزكاة؟
هذا أمر لم تعرض له الفتوى، فلعلها تراه من ثني الزكاة، وذلك من حقها الاجتهادي، أو لعلها قد ذهلت عن النظر فيه، في حين لا أراه كذلك، بل أقدر وجوبَ زكاته بملحظ زكاة التجارة لا بمعتبر زكاة الزراعة، حيث علةُ مطلوبية الزكاة فيهما مختلفة ظاهرة، كذلك اختلاف مقتضي الزكاة في كليهما ظاهر بين…
قد سُئِلتُها -أقصد هذه المسألة- في مطلع هذا القرن من طرف أحد الفقهاء، إذ طُرٍحَت عليه في دروس الفقه التي كان يلقيها على طلبة العلم فأشكلت عليه، فتحرر فيها النظر وتحصل فيها القول الفقهي منذ ذلك الوقت، قد مضى على ذلك أزيد من عشرين سنة… والمسألة دقيقة النظر لطيفة المأخذ، أرجو أن يكون في هذا القول التنبيهي المختصر كفاية لإدراك اختلاف المعتبر والموجب فيهما معا…



