أثارت مطالبة مفتي مصر الشيخ شوقي علام؛ بإنشاء مؤسسات دينية جديدة في البلاد تتولى مسؤولية الدفاع عن الإسلام، جدلا حول محاولات نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تجاهل وجود الأزهر أو التخلص منه.
وأعرب مراقبون عن استغرابهم لصدور هذه الدعوة من أهم القيادات الدينية في النظام، على الرغم من وجود الأزهر ووزارة الأوقاف، وأخيرا المجلس الأعلى لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي أعلن عنه السيسي في يوليو الماضي، ويضم في عضويته شيخ الأزهر وبابا الأقباط وعلماء في مجالات متعددة.
وكان علام قد أكد في مقابلة تلفزيونية مع قناة “أون لايف” الأسبوع الماضي، أن الإسلام في حاجة إلى إنشاء مؤسسة دينية جديدة تدافع عن الدين وثوابته ومقاصده العليا؛ تضم علماء ومتخصصين في مجالات الشريعة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام في مواجهة الملحدين والمشككين فيه من ناحية، والإرهابيين الذين يشوهون صورته من ناحية أخرى”، كما قال.
هجوم متواصل
وجاءت هذه الدعوة من قبل مفتي الجمهورية؛ في إطار هجوم متواصل من النظام ومؤيديه من السياسيين والإعلاميين؛ على الأزهر في الفترة الأخيرة.
وكان مشروع إنشاء “أكشاك للفتوى” تابعة للأزهر داخل محطات المترو؛ قد تسبب في موجة من الانتقادات للأزهر، واتهامه بالسعي لفرض نموذج الدولة الدينية على المصريين، الأمر الذي دعا الأزهر في النهاية إلى إلغاء الفكرة.
كما هاجم عدد من المفكرين العلمانيين قرار شيخ الأزهر برفض طباعة كتاب ديني، على نفقة مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، بسبب احتوائه على “معلومات خاطئة وتفسيرات غير صحيحة للقرآن”، وهو ما رأوا فيه فرضا للوصاية الدينية على الفكر والإبداع، على حد قولهم، حيث كتب الصحفي العلماني صلاح عيسى مقالا يوم الجمعة الماضي في صحيفة المصري اليوم؛ قال فيه إن الأزهر عاد لمصادرة الكتب مرة أخرى، معتبرا أن الأزهر يتجاوز سلطاته ويخالف الدستور ويفرض رقابة مسبقة على النشر والإبداع.
كذلك شن كتاب ومفكرون علمانيون هجوما حادا على الأزهر بسبب إعلانه رفض القانون الذي صدر في تونس مؤخرا، والذي يسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، ودعوة الرئيس التونسي للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
الأزهر لن يقف مكتوف الأيدي
وتعليقا على دعوة المفتي، أكد العالم الأزهري سيف رجب؛ رفضه القاطع لإقحام دار الإفتاء في شأن غير تخصصها الأساسي، وهو إصدار الفتاوى الدينية، مشيرا إلى أن إنشاء مؤسسات دينية جديدة هو من اختصاص الأزهر فقط.
وأشار رجب، في حديث لـ”عربي21″، إلى أن “السنوات الأخيرة شهدت العديد من المحاولات لتشويه الأزهر والنيل منه لكنها باءت كلها بالفشل”، مشيرا إلى أن “هناك أشخاصا في الدولة لا يعجبهم الأزهر ودوره محليا ودوليا، ويشنون حربا على الأزهر منذ فترة طويلة”، كما قال.
وتابع: “مشكلة النظام الحالي مع الأزهر هي أن الشيخ أحمد الطيب رجل قوي ومستقل ويحافظ على كيان الأزهر، وفي المقابل هناك أشخاص يريدون إقحام الأزهر في السياسة وأن يؤيد النظام في كل قراراته، وهذا ما يرفضه الشيخ الطيب، لذلك يردون بسحب بعض الملفات من الأزهر ومن بينها إنشاء المؤسسات الدينية الجديدة”، وفق قوله.
وأضاف سيف رجب: “لا أتوقع أن يقف شيخ الأزهر مكتوف الأيدي أمام الجهات والأشخاص الذين يستخدمون صلاحياتهم في مهاجمة الأزهر أو محاولة تقليص دوره”، مشددا على أن “الأزهر سيظل منارة للعالم الإسلامي وسيظل ثابتا في مكانه هو وشيخه أحمد الطيب ولن يتمكن أي شخص أو جهة من التخلص منه”، وفق تقديره.
عقاب على موقفه من رابعة
من جانبه، أكد الباحث السياسي محمد شوقي؛ أن مطالبة دار الإفتاء بتأسيس كيانات دينية جديدة للدفاع عن الإسلام ليس من دورها على الإطلاق، مشيرا إلى النظام العسكري غير راضٍ عن أداء الأزهر ويريد التخلص منه ومن شيخه أحمد الطيب.
ولفت شوقي، في حديث لـ”عربي21″، إلى “المحاولات المستميتة التي يقوم بها النظام في هذا الإطار منذ عدة أسابيع ويراها الجميع، من بينها مشروع القانون الذي طرحه النائب البرلماني محمد أبو حامد لتنظيم شؤون الأزهر، ويسمح بعزل شيخه من منصبه، وقبلها قرار عبد الفتاح السيسي بسحب ملف تجديد الخطاب الديني من يد الأزهر وإسنادها لمستشاره الدكتور أسامة الأزهري”.
وأكد أن النظام يريد الحصول على تأييد مطلق من كافة مؤسسات الدولة المستقلة، وعلى رأسها الأزهر، “لكن هذا لا يحدث على أرض الواقع، لأن الأزهر يرفض إقحام نفسه في السياسة”، وفق قوله.
ورأى أن “السيسي لم ينس ما قام به الشيخ أحمد الطيب بعد فض اعتصام رابعة العدوية، حينما طالب بتحقيق عاجل لمحاسبة المتسببين في الفض وقتل مئات المعتصمين، ومنذ ذلك الوقت أصبحت العلاقة بين الجانبين يغلب عليها التربص بالأزهر والسعي لتحجيم دوره”، كما قال.