هل يتحسب المغرب لسيناريو تدفق موجة من “المهاجرين الأفارقة”؟

08 يوليو 2022 10:34

هوية بريس – بلال التليدي

تثير عملية اقتحام حوالي 2000 مهاجر إفريقي لسياج مليلية أسئلة كثيرة حول الاتجاهات المستقبلية للهجرة في ظل المتغيرات المرتبطة من جهة بتداعيات جائحة كورونا، وبتأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا على سلاسل الإمدادات للغذاء في العالم، وأيضا على الاستقرار السياسي في إفريقيا.

المعطيات التي كشفت عنها السلطات المغربية، بخصوص تفكيك الشبكات الناشطة في الهجرة السرية تعتبر جد صادمة، فحسب الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، فقد تم تفكيك أكثر من 1300 شبكة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وسجلت سنة 2021 رقما قياسيا(625 شبكة) فيما تم تفكيك 100 شبكة أخرى إلى غاية مايو 2022، وصدت السلطات الأمنية المغربية 145 اقتحاما لسياجي سبتة ومليلية منذ سنة 2016، و12 اقتحاما حتى مايو 2022، وتم إجهاض 360 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية منذ عام 2017، من بينها 63 ألفا عام 2021 و26 ألفاً حتى مايو 2022.

هذه المعطيات لا تقدم إلا صورة تأثيرات جائحة كورونا على اتجاهات الهجرة من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا عبر المغرب، لكنها في الوقت نفسه، تدق ناقوس الخطر عن السيناريوهات المقلقة التي يمكن أن تعرفها هذه الهجرة في الشهور القليلة المقبلة في حال ما إذا واجهت إفريقيا أزمة غذاء قاسية بسبب تأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا، أو في حال أدى ارتفاع أسعار المحروقات، إلى انهيار بعض الاقتصادات الإفريقية، أو أدت تعثراتها إلى احتقان اجتماعي، منذر بتهديد الاستقرار السياسي بهذه الدول.

السلطات المغربية، تحدثت عن أعداد متفاوتة لإدماج المهاجرين الأفارقة، وذلك حسب السنوات (تسوية 27 طلب إقامة سنة 2014، وتسوية حوالي 50 ألف طلب إقامة إلى حدود 2018) إلا أن هذه الأرقام لا تكشف إلا عن الذين استوفت ملفاتهم الشروط القانونية والإدارية، بما يعني أن عدد المهاجرين الأفارقة يفوق بكثير هذا العدد.

صحيح أن المغرب يضطر كل مرة إلى أن يعيد آلاف المهاجرين الأفارقة إلى بلدانهم (عودة طوعية) لكن، الذين اندمجوا أو لم يحصلوا بعد على فرص للإدماج، يشكلون شريحة محتملة للهجرة، فكثير من المندمجين الذين حصلوا على عمل، إنما يستعينون بدخله فقط لتأمين المبالغ التي تطلبها شبكات الهجرة السرية.

ثمة سيناريوهان متقابلان لاتجاهات الهجرة الإفريقية إلى أوروبا عبر المغرب الأول صادم، وينذر بموجة هجرة كبيرة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، لا يمكن أن يتحملها المغرب، وسيناريو مبشر، يتحدث عن تراجع موجة هذه الهجرة أو على الأقل استقرارها.

المحددات المؤثرة لا تتعلق فقط بتأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها (تعثرات سلاسل الإمداد الغذائي والأزمة الوشيكة للغذاء في إفريقيا، تأثيرات ارتفاع أسعار المحروقات وتصاعد نسب التضخم، الاحتقان الاجتماعي وتهديد الاستقرار السياسي) وإنما تتعلق أيضا بالبعد السياسي والاستراتيجي، وما إذا كانت إفريقيا، ستكون القارة الأكثر تضررا، أم القارة التي ستحسن استثمار الفرصة، لتحسين تموقعها السياسي والاستراتيجي في النظام الدولي الذي يعيش مخاض التشكل.

تقديرات الأوروبيين، وبشكل خاص إسبانيا، تتجه إلى السيناريو الأسوأ، ولعل هذا ما يفسر تصريحات بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، التي اعتبر فيها، أن مشكلة الهجرة جد معقدة، وأن حلها يتطلب أن يضطلع الاتحاد الأوروبي بدعم التنمية في دول المصدر حتى يشجعها على توفير فرص شغل تضمن الاستقرار للمهاجرين المحتملين، وأيضا دعم دول العبور حتى تضطلع بدورها في محاربة هذه الظاهرة.

في السنة الماضية، كانت إسبانيا تحمل رؤية مختلفة، تعظم من العامل الأمني، وكان المغرب ينتقد هذه المقاربة، ويرفض التعامل معه كدركي أوروبا، لكن اليوم، يبدو أن مدريد أصبحت تتبنى نفس مفردات المغرب. تفسير ذلك، أن الإسبان يدركون أن المرحلة القادمة ستكون جد مقلقة، وأن الموجة الزاحفة من الهجرة تقتضي مقاربة شمولية مندمجة، تلزم الأوروبيين ببذل جهد إضافي حتى يتم مواجهة هذا التحدي الأمني.

في المقابل، ثمة وجهة نظر أخرى، ترى أن اختيار إفريقيا لدائرة الحياد في الحرب الروسية على أوكرانيا، سيعزز من جاذبيتها، سواء بالنسبة إلى المحور الغربي، أو المحور الروسي، وستصبح محور تحركات هذين المحورين.

ومهما تكن المؤشرات التي يبني عليها كل سيناريو توقعه، فإن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما يمكن أن يترتب عنها من أزمة غذاء، لاسيما في الدول الإفريقية، فضلا عن تغير جزء من الوضع الجيوسياسي في المنطقة (الوضع في مالي) يمكن أن يجعل من الهجرة قنبلة موقوتة، تسعى بعض الأطراف إلى أن تجعل من المغرب المكان المناسب لانفجارها لاسيما وأن التحقيقات التي أجرتها المصالح الأمنية المغربية والإسبانية، أكدت ضلوع شبكات دولية للاتجار في البشر- وأنه لأول مرة، يشكل السودانيون، نسبة مهمة في عدد الذين قاموا بعملية الاقتحام، بسبب أجواء اللااستقرار السياسي الذي تعرفه السودان.

ثمة مؤشرات مقلقة بهذا الخصوص، أولها، أن التنسيق مع الجزائر منعدم، وقد أصبحت بموجب العلاقات المالية الروسية، تملك بعض النفوذ في مالي، وتربطها حدود واسعة معها، وثانيها أن موريتانيا، لا تملك قدرة على تأمين حدودها مع الجزائر والمغرب، وثالثها، أن اندلاع أزمة الغذاء في إفريقيا، يمكن أن يدفع بموجة نزوح جماعية تجتاح حدود الدول نحو الشمال، ورابعها أن ارتفاع أسعار المحروقات، وتزايد نسب التضخم، يمكن أن يهدد الاستقرار السياسي، بما يزيد من احتمال تدفق موجات عريضة من المهاجرين الأفارقة إلى المغرب، وفي هذه الحالة، المغرب، سيكون المرشح الأول لمواجهة هذا التحدي، وذلك لأسباب: أولها، أنه الأكثر إغراء بالنسبة للمهاجرين الأفارقة (الوضع الاقتصادي والتنموي) والثاني، لأنه الأسهل من حيث تأمين الوصول. والثالث، لأنه ألزم نفسه منذ سياسة 2013 للهجرة، بجملة التزامات قانونية وأخلاقية تجاه المهاجرين الأفارقة، والرابع، أنه تربطه علاقات قوية ومتينة بمختلف دول إفريقيا لاسيما غربها، والخامس، لأنه البلد الأقرب إلى أوروبا. ولذلك، في السيناريو الأسوأ، سيكون المغرب المكان الأكثر احتمالا لانفجار قنبلة المهاجرين الأفارقة.
بالأمس القريب كان المجتمع المدني والسياسي بالمغرب، يطرح جملة تحديات على سياسة الهجرة التي أقدم عليها المغرب، منها التحدي المرتبط بالقدرة على تحمل كلفة الإدماج في الوقت الذي تعاني فيه شرائح واسعة من المجتمع المغربي من عتبة الفقر، ومنها تحديات أمنية ترتبط بضبط المهاجرين وأنماط السلوك التي ينتجونها في الاستجابة لتحديات ما قبل الإدماج، ومنها التحدي الديني، المرتبط بالتحولات الديمغرافية الدينية، وتأثيرها على التجانس الإسلامي السني المغربي، لاسيما وأن سوسيولوجيا المهاجرين تعرف بغلبة المكون المسيحي.

اليوم أضحت التحديات مضاعفة، ليس فقط بسبب تعاظم التحدي الأمني، ولكن لأن أي شكل من أشكال التعامل مع تدفق الهجرة، ستنتج عنه تداعيات سياسية ودبلوماسية قد تؤثر على مستقبل علاقات المغرب مع أوروبا ومع دول إفريقيا أيضا.

خيارات المغرب، ليست كثيرة لمواجهة السيناريو الأسوأ، لكن تكثيف التنسيق الأمني والعسكري مع موريتانيا، وفتح باب للنقاش السياسي والأمني مع الاتحاد الأوروبي، ومختلف الشركاء لمواجهة هذا التحدي، مع توفير جاهزية أمنية، وعسكرية لتأمين الحدود لاسيما منها الشرقية، ووضع الدول الإفريقية في صورة هذا التحدي(أي احتمال نزوح وتدفق عدد كبير من مهاجري هذه الدول) كل ذلك، من شأنه أن يوفر أرضية استباقية لمواجهة تداعيات أي تدفق طارئ، أو على الأقل، تحمل كلفة أي سياسة صارمة في مكافحته.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M