هم العدو فاحذروهم

16 مايو 2024 18:44

هوية بريس – د.عبد اللطيف راحل

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة؛ قيل: وما الرويبضة؟ قال: المرء التافه يتكلم في أمر العامة”.

هذا الحديث وغيره مما هو في معناه دليلٌ من دلائل النبوة وعلامةٌ من علاماتها، فقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ورأينا بأم أعيينا بعض الجهلة الذين ربضوا عن معالي الأمور وقعدوا عن طلبها يتصدرون المشهد تنظيرا وتأصيلا لما أسموه بتجديد الخطاب الديني وفق معايير ومحددات فرضها النظام العالمي الجديد الذي يرى في الإسلام شكلا تاريخيا تقليديا انتهت فاعليته بانقضاء حضوره في الزمن؛ وفي خنوع تام سارع بعض المجددنات لحمل راية التجديد المزعوم ليصل الأمر إلى تجديد الدين كله والشمس والقمر -كما يقول الأستاذ الرافعي رحمه الله- فتداعوا إلى إحياء بعض الطعون في ثابت من ثوابت الاسلام وثاني أصل من أصول تشريعه ألا وهو السنة النبوية الشريفة زاعمين الاستغناء عنها بالقرآن العظيم، وأطلقوا ألسنتهم في رد الأحاديث النبوية الشريفة والتشكيك في مصنفاتها التي تلقتها الأمة بالقبول، بدعوى أنها مكذوبةٌ ومفتراه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما الواجب العمل بالقرآن العظيم فقط والقرآن وأهله منهم براء، محاولات بائسة للنيل من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنتجت جدلا عقيما وسفسطة ابتلعت فكر بعض الأغمار واستهلكت ذكاءهم، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخبر هذه الشرذمة من الكذبة التافهين إنما هو إخبار ببعض الغيب الذي أطلعه الله عليه، ليكون تحققه دليلاً على صدق نبوته وبرهاناً على كمال حجية سنته، شرذمة من شذاذ الآفاق وعباد الشهوات مبلغ علمهم تدوير شبه بالية ممجوجة لفظها كهنة الاستشراق وتلقفتها أفواه أولئك الجهلة التافهين ممن يتكلمون بألسنتنا متدلية أخلاقهم منحدرة همهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم حتى فقدوا القدرة على التمييز بين الخير والشر والحسن والقبيح، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أعظم.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول في شأنهم: “دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه في النار” حقيق أننا في زمن تعرف فيه وتنكر، زمن خفت فيه صوت الحق وتعالت أصوات المبطلين يصبح الرجل فيه مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا، وأضحت مسائل العلم وأحكام الشرع كلأ مباحا ترتع فيه كل سائمة، وضجت أصوات التافهين وإخوانهم يمدونهم الذين في الغي من ذا الذي لم يعد يفهم الدين أصولاً وفروعاً في هذا الزمان؟! وغرّهم في دينهم وفرة القنوات وفشو وسائل الاتصالات ومدد المنظمات!! فتنادوا قائلين: لماذا الكبت على الحريات، وتكميم الأفواه عن الكلام في الشرعيات؟! لماذا التسلط على عقول الآخرين والحجر على أفهامهم؟! وهل هذه إلا رهبنة، ولا رهبانية في الإسلام؟ ولسان الحال يقول: ليست البلية في أيامنا عجب بل السلامة فيها أعجب العجب.

ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم وكمال حجية سنته أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في أمثال هؤلاء: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ” متفق عليه، وفي الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: “لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله، أما إني لست أعني عاماً أخصب من عام، ولا أميراً خيراً من أمير ولكن علماؤكم وخياركم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفاً، ويجيء قوم يقيسون الأمور بآرائهم، فيهدم الإسلام ويثلم”، رواه الدارمي بسند حسن.

وقد استفاض ذم الكلام في قضايا الشرع بغير علم، واشتد النهي عن سؤال غير العلماء والتنفير من الاستماع لأنصاف المتعلمين فضلا عن الجهال المتعالمين، صيانة للإسلام ونصحاً للعباد، وردعا لأولئك المفترين على الله الكذب، المتسلطين على تراث الأمة، الذين يتقحمون علوم الشرع بدعوى الاجتهاد وليس لهم من غرض إلا التجني على النصوص لجني الفلوس، فتحقيق أطماعهم أصل من أصول فقههم، ومراعات ما يمليه كهنتهم مقصد من مقاصد شرعهم؛ في ثلاث عورات لهم: “اجتهاد” لا محدود، و”مصلحة” بلا حدود، و”انهزام” نفسي معهود. ولعل توقع ظهور أمثال هؤلاء في آخر الزمان هو الحامل لبعض السابقين من أهل العلم على القول بغلق باب الاجتهاد سدا لذريعة العبث بالدين، خاصة عند فشو الكذب وذهاب الأمانة، فلله درهم ما أبعد نظرهم مع أن الصواب لم يحالفهم؛ فالاجتهاد في الدين أمر مطلوب لتحقيق مصالح الأمة، ولا مفر من الإقرار باستمرار فتح بابه والأخذ بأسبابه لمن توفرت فيه شروطه، وإنما مثل من خاض لجته كمثل من ركب البحر بعدما يرتج فإما النجاة وإلا برئت منه الذمة، ولا بد في الاجتهاد نفسه أن يقيد بالقيود الشرعية، وإلا أصبح مطية لكل مارق ومعاند، وقد عرف أهل العلم الاجتهاد بأنه: “حركة عقلية في أحكام الدين المشروعة لمصالح الأمة” فهو ليس مجرد حركة عقلية تتجه مباشرة إلى المصالح، والقول بخلاف ذلك يؤدي إلى تلاعب التافهين بشرع رب العالمين، وحينئذ فلن يبقى ثمة اجتهاد وإنما هو اجتثاث وإجهاض ينتج سقطا من الآراء الممسوخة تشوه جمالية الدين وتكدر صفاء التدين عياذا بالله تعالى، فالحذر الحذر من تجار المبادئ وسماسرة الفتن فهم العدو حقا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M